وجه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن كلمة بمناسبة عيد الفطر السعيد عام 2021 جاء فيها:
“الفطر احتفاء بكرم الله وفضله وحكمته التي كلها إنما لتكريم المخلوق في إيمانه واستشعاره بالتوحيد وإقراره بالعدل والرحمة “ولقد كرمنا بني آدم” (الإسراء 70)، فحق على الإنسان امتثال المعنى الجليل من الصوم، فالصيام في كتاب الله مقرون بالتقوى، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” (البقرة 183). فالتقوى ثمرة أعمال الطاعة خصوصا في هذا الشهر الفضيل لنزول كتاب الله بالنور والهدى والحق فيه. وامتثال المعنى الجليل من الفطر ومن مقاصد الفرائض المرتبطة بالخير لما فيها من تحقيق لأشرف ما في الإنسان من غايات خلق من أجلها بإرادة رب غفور رحيم، جبار قوي.
والغاية من السوية الخلقية في الإنسان هي كونه فاعلا في مجتمعه، لا يتعبد لينعزل في خلاص شخصي، بل ليكون حافظا لذويه ولمواطنيه ولنظرائه في الخلق. وليكون حجة في الفضيلة على كل من غابت عنه معاني الأمور في حقائقها الصادقة حيث لا كذب ولا نفاق ولا أذى ولا رياء ولا سقوط في بئر الأنانية المظلم. والمؤمنون بإيمانهم الأول أعطوا حضارة للعالم حملت لذاكرته إرث المعارف وسر الشرق. ومهما تكاثف ضباب الالتباس في أزمنة انحطاط هذا العالم، الذي تتوالد فيه امبراطوريات القوة، على حساب حلم حقوق الإنسان، التي يرعاها المجتمع الدولي في ما سمي “هيئة الأمم”، فإن القيم الإنسانية المثلى التي يعلمنا إياها إيماننا التوحيدي الأثيل، تبقى نبراسا للخير الذي يضيء البصائر ويوقي من الوقوع في عتمات الشر بكل أشكاله وبشاعاته.
كم يصح القول اليوم لبنانيا: “وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت…”، والقليل من الأخلاق اليوم كفيل بتشكيل حكومة تسارع إلى الوفاء بأمانة رعاية الشعب عوضا عن المعاندة في العمى القاتل الذي يتعهد التعطيل والانهيار وتخريب البيوت من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وكأن ليس للبنان الوطن وجود بل المهم هو السلطة ولو فوق كل هذا الخراب!
فبأي حال عدت يا عيد! وفي المنطقة العربية يتهاوى وطن إثر وطن، وتتفاقم النزاعات الدامية والتدخلات من شرق وغرب. في حين أن حصار القدس مستمر، وافتراس الأحياء العربية مستمر، ومخطط التهويد يتقدم، ليس أمامه إلا لحم الشعب الفلسطيني الحي ودمه الذي يفدي كرامة الأمة صباحا مساء. هو الشعب يجابه أعتى أشكال الأنظمة ظلما بصدره. ألا يذكرنا هذا ببيت القصيد؟ ألا يذكرنا هذا بالاتجاه الصحيح لبوصلة الكفاح الذي يجب أن يكون عنوان كل كفاح من أجل حرية أوطاننا وكرامة شعوبنا وحسن مآل مصائرنا؟ ألا يذكرنا هذا بأن بناء الإنسان في أوطاننا هو الغاية الأنبل لأي نظام سياسي؟
إن الهوية الشخصية التي يحملها الفرد في وطننا تعطيه صفة “المواطن” في دولة يحكمها القانون، ويحدد مسارات ممثلي الشعب في مؤسسات الحكم فيها الدستور، والسؤال اللبناني اليوم: كيف يفهم السياسيون اليوم مفهوم “المواطنة”؟ ماذا يفعلون لتكون حقوق المواطنة محفوظة وبالتالي واجباتها؟ وإلى ماذا يؤول حال المواطن حين تعجز دولته عن حماية أمنه واقتصاده ومصادر رزقه وديمومة عمله وإدارات حكومته ومؤسسات خدمات حياته الأساسية وهي لا تملك إلا العجز عن أن تكون ما يجب عليه أن تكونه؟ لبنان لن ينهض بتعميق حال التشرذم والارتهان والهروب إلى عصبيات الطوائف واحتقار خيارات الشعب وإنكار تداعيات الأزمات المتلاحقة والمتراكمة والمزمنة. لبنان ينهض بحكمة الرجال الرجال الذين يحملون أمانة المصلحة الوطنية العليا غاية لتحقيقها بما أتمنوا عليه في فعاليات مناصبهم. والمناصب تزول ويبقى الوطن.
فعلى من يتولون شؤون القرار والحكم في البلاد أن لا يضربوا بعرض الحائط هموم الناس ومصلحة الوطن التي تتداعى جدران مؤسساته واحدة تلو الأخرى، فالحذر الحذر من الانفجار الاجتماعي الشامل، ومن بركان الجوع والكرامة، وليكن الاستدراك السريع بحكومة قادرة على بدء برنامج عمل فاعل لوقف الانهيار قبل فوات الأوان.
نسأل الله تعالى في هذا العيد المبارك بمعانيه ورسالته، أن يلهم كل مسؤول يقظة الضمير، وأن يسدد مساعي المخلصين إلى ما ينفع الناس، وأن يفتح باب كرمه على خلقه، وأن يرفع عن شعوبنا كل عسرة وضيق، إنه هو العلي القدير، الكريم الرحيم”.
من جهة ثانية ونظرا للظروف الصحية الراهنة لن تقام الصلاة في مقام الامير السيد عبدالله التنوخي في عببة صبيحة عيد الفطر المبارك المعتادة. كما يعتذر شيخ العقل عن عدم استقبال المهنئين في هذه المناسبة.