يُدرك الرئيس المكلف سعد الحريري أنه يتجه نحو حائط مسدود، وأن ما لم يستطع تحقيقه خلال الأشهر الستة الماضية لن يتمكن من الوصول إليه خلال أسابيع قليلة، خصوصا أنه يتعامل مع أشخاص يتقنون إعتماد سياسة ″الأرض المحروقة″ تجنبا لتقديم تنازلات خصوصا إذا كانت تهدد مستقبلهم السياسي أو تقضي على حضورهم في المعادلة الوطنية.
كما يُدرك الحريري أنه حتى ولو شكل الحكومة فإنه سيمضي جلساتها بـ″دقي وإعصري″ مع رئيس الجمهورية الذي سيكون له بالمرصاد وسيتعاطى معه من خلفية إنتقامية، فمن سبق ووصف الرئيس المكلف بـ″الكذاب″ ومن إتهمه بـ″شم الهوا″ وبـ″سرقة″ التشكيلة الحكومية التي أعدها، ومن خرج فريقه السياسي عن آداب التخاطب تجاه الحريري، لم يعد يمتلك القدرة على التعاون معه ضمن الحكومة، فمن يمضي فترة “الخطبة” في شجار دائم، يكون مصير زواجه الفشل بالهجر أو الطلاق.
في اللقاءات الضيقة التي يعقدها في بيت الوسط، يصارح الحريري فريقه والمقربين منه بأنه ″مش ماشي الحال″، وأن ″الفريق الآخر لا ينظر الى عملية الانقاذ بقدر ما يسعى الى تثبيت حضوره السياسي وضمان مستقبله، ولا يبدو أن الأمور ستتغير في الوقت الراهن، ما يعني أن الانهيار بات حتميا، فلماذا أتحمل مسؤولية هذا الانهيار؟، لذلك فليشكلوا حكومة وليتحملوا مسؤولية البلد والشعب”، وعندما يحين موعد الانتخابات النيابية المقبلة ننسج تحالفاتنا ونخوضها، ولدى تكوين سلطة سياسية جديدة يكون لكل حادث حديث″.
يشير مطلعون على أجواء بيت الوسط الى أن كلام الحريري لا يعني أنه إتخذ القرار بالاعتذار، لكن هذه الفكرة لم تعد مستبعدة وربما يلجأ إليها في أي وقت، خصوصا أنه لم يعدم وسيلة إلا وحاول من خلالها إيجاد حل، وحمل ملف الحكومة الى بلاد الله الواسعة لكن من دون جدوى في ظل مصادرة توقيع رئيس الجمهورية على التشكلية الحكومية التي قدمت إليه بعد أربعين يوما على التكليف وما زالت في درج مكتب الرئيس عون من دون أن يناقشها أو أن يبحث في إمكانية تعديلها.
وترى مصادر مقربة من بيت الوسط، أن الحريري فوجئ مؤخرا بأمرين:
الأول: الموقف الفرنسي المستجد منه، وإعتبار دوائر قصر الأليزيه أن الحريري مسؤولا عن تعطيل عملية التأليف بقدر ما جبران باسيل مسؤولا عن ذلك، مع عتب مضاعف عليه كونه رفض اللقاء مع باسيل، حيث أكد الحريري أنه لا يلتقي باسيل إلا بعد تشكيله الحكومة كرئيس لكتلة نيابية، وقد ترجم هذا العتب بتسريب معلومات حول إمكانية عدم قيام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بزيارة الحريري وباسيل، قبل أن تقول مصادر مطلعة أنها معلومات غير دقيقة.
الثاني: الانفتاح السعودي المفاجئ على إيران، والحوار الذي بدأ ومن المفترض أن يستأنف بعد رمضان، ففي الوقت الذي ما يزال فيه الحريري يُعاقب من الأمير محمد بن سلمان وتُمنع عليه زيارة المملكة، ويُرفع عنه “الغطاء الأخضر” لأنه سار بمرشح إيران وحزب الله الى رئاسة الجمهورية، تذهب السعودية الى الانفتاح على إيران، وكذلك على سوريا بعد تسريب معلومات عن زيارة وفد سعودي الى دمشق للبحث في إعادة العلاقات وفتح السفارة السعودية مجددا بعد عيد الفطر، الأمر الذي يُخرج الحريري من المولد بلا حمص، بعدما “طلع لا من جدي بخير ولا من ستي بخير”.
كل ذلك معطوفا على الأزمات التي تتوالد، والاتجاه نحو الارتطام الكبير، قد يدفع الحريري الى الاعتذار والقفز من الباص، وترك الشقى على من بقى، إلا في حال نجح لودريان بـ”عصا” العقوبات التي يحملها معه، وبالضغط الفرنسي ـ الروسي، الى إيجاد تسوية اللحظة الأخيرة، ولو كان ذلك ما يزال مستبعدا!..
مواضيع ذات صلة: