هل ستستطيع بكركي القيام بما عجز عنه كثيرون في داخل لبنان وخارجه، وهل يمكن أن تنجح وساطة البطريركية المارونيّة في تذليل العقبات وتقارب المختصمين، بما يفتح الطريق أمام تأليف الحكومة، وهل بإمكان البطريرك الماروني بشارة الراعي تقريب وجهات النّظر بين رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ورئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل، بما يسهم في خروج الدّخان الأبيض من المقر الرئيسي للطائفة المارونيّة في لبنان، وتشكل فرصة ستكون إيذاناً بولادة الحكومة المنتظرة؟
هذه الأسئلة طفت على السّطح في السّاعات الماضية بعدما تسرّبت معلومات عن أنّ البطريرك الراعي يسعى لجمع الحريري وباسيل في بكركي، ضمن إطار استمراره في مساعية الهادفة للإسراع في تأليف الحكومة، وبأنّه يلتقي لهذه الغاية ممثلين عن رئيس الجمهورية ميشال عون وآخرين ممثلين للحريري، ومعرباً عن آماله أن تتكلل الجهود بلقاء يكون مدخلاً لولادة الحكومة.
غير أنّ مساعي بكركي جعلت كثيرين يضعون ملاحظات عليها، وعلى ما يمكن أن يسفر عنها من نتائج، من أبرزها:
أولاً: لم تستطع جهات داخليّة وخارجيّة عديدة جمع الحريري وباسيل، ولا إقناعهما بالجلوس معاً لمناقشة الخلافات بينهما، بما فيها مسألة تأليف الحكومة، وعلى رأس هذه الجهات تأتي فرنسا، التي فشلت في تأمين عقد لقاء يجمع بين رئيسي التيّارين الأزرق والبرتقالي في العاصمة الفرنسيّة باريس، بسبب ما قيل حينها عن “فيتو” أميركي غير مرحّب بعقد هكذا لقاء، وعدم وجود حماسة سعودية للقاء المذكور ما لم يقترن بموافقة مسبقة ولاحقة على شروطها للقبول بولادة الحكومة، فكيف يمكن لبكركي وبطريركها الراعي القيام بما عجز عنه الآخرون؟
ثانياً: لا تبدو بكركي طرفاً محايداً في الخلاف الدّائر بين الحريري وباسيل، فهي برغم أنّها تشكّل مرجعية طائفيّة للثّاني وتيّاره، إلّا أنّها أقرب سياسيّاً للأول، وهذا ما تبدى من خلال مواقفها الأخيرة، والسّجال الذي دار بين باسيل وتيّاره من جهة وبكركي والراعي من جهة أخرى، وهو ما يبدو متناقضاً مع دعوة البطريرك الراعي إلى حياد لبنان عن الصّراعات الإقليمية، بينما هو وموقعه ليسا في موقع الحياد الداخلي.
ثالثاً: ماذا تملك بكركي والبطريرك الراعي من إمكانات لكي تمارس ضغوطاً على الحريري وباسيل لإقناعهما بالتوصّل إلى اتفاق يُسهّل تأليف الحكومة وإنقاذ البلاد من الوقوع فريسة إنهيار وشيك، وماذا يملكان في المقابل أيضاً من إغراءات وعروض يستطيعان عبرها إقناع الطرفين بقبول وساطتهما والنّزول عند رغبتهما، وهل لدى بكركي والراعي إمكانات وقدرات تفوق إمكانات وقدرات داخلية وخارجية أكبر وأكثر تأثيراً، فإذا كان الجواب بالنّفي، وبأنّ بكركي والرّاعي لا يملكان كلمة السّر، ولا تلقيا الضوء الأخضر من أجل القيام بهكذا خطوة، فإن المبادرة لن تكون أكثر من محاولة لملء الوقت الضائع، بانتظار توافق إقليمي ودولي حول لبنان لم يولد بعد.
رابعاً: هل يدرك البطريرك الراعي أن مسعاه إذا لم يكن مضمون النّجاح مسبقاً، فإنّ الأمر سيكون توريطاً له وستكون نتائجه كارثية عليه وعلى موقعه ودوره ومرجعيته، وأنّ تداعيات الفشل ستجعل لبنان واللبنانيين يدفعون أثماناً باهظة نتيجة له.