هزّات تُصدّع هيكل العدالة.. ومجلس القضاء يقصّ أجنحة غادة عون!… غسان ريفي

بدأت السلطة القضائية بإحتواء العاصفة التي ضربتها خلال الأيام الماضية بفعل ″منخفض مسلكي″ للمتمردة غادة عون، حمل معه إساءات وتشويهات وتدخلات وإنقسامات وصلت الى الشارع الذي تحرك بأوامر سياسية أمعنت في إلحاق كم هائل من الأضرار بهيكل العدالة الذي يحتاج الى ترميم سريع بعد أن تصدع وكاد يسقط بفعل الهزات والهزات الارتدادية التي ضربته في الصميم.

يمكن تلخيص هذه الهزات بما يلي:

أولا: الحالة الهستيرية التي سيطرت على غادة عون التي أساءت لنفسها قبل أن تسيء للقضاء أو لبعض القضاة، وذلك بانقلابها على قرارات السلطة التي تتبع لها، وتمردها عليها، وتجاوزها كل الأصول والأعراف بتنفيذ مداهمات والاستعانة بـ”حشد شعبي” لمساندتها في قضية تم كف يدها عنها ما يعني أن كل الاجراءات التي ستتخذها حيالها هي باطلة ولزوم ما لا يلزم كونها لم تعد صاحبة إختصاص، ما أوحى بأن عون تنفذ أجندة سياسية وتتوسل شعبية ربما أغرتها على مسافة عام ونيف من الاستحقاق الانتخابي.

ثانيا: الانقسام السياسي الذي أحدثه سلوك غادة عون وإنعكاسه على الشارع الذي ولأول مرة يتحرك على خلفية نزاع قضائي بين قضاة، ما زعزع الأسس التي بقوم عليها ميزان العدالة، خصوصا أن التظاهرة البرتقالية التي نزلت الى الشارع بأوامر من جبران باسيل وخرجت بأوامر منه شوّهت صورة غادة عون وضربت مصداقيتها وأظهرتها بأنها قاضية “عونية” ملتزمة سياسيا وبالتالي فإن كل ما قامت وتقوم به يصب في مصلحة العهد وفريقه السياسي، ولا يمت بصلة الى محاربة الفساد أو تحقيق العدالة، والشيء نفسه ينطبق على الأشخاص الذين خرجوا دعما للمدعي العام التمييزي غسان عويدات.

ثالثا: الضعف الذي سيطر على وزيرة العدل ماري كلود نجم التي وقفت عاجزة عن تحديد المسؤوليات في هذه العاصفة، وذلك مراعاة للتيار الوطني الحر الذي سماها في الحكومة، فلجأت الى التعميم الذي لم يعط حقا ولا باطل.

رابعا: محاولة جبران باسيل صب الزيت على النار عبر وقوفه طرفا في قضية كان من المفترض أن يتعاون الجميع على وأدها في مهدها وبذل كل الجهود لحماية هيكل العدالة كونه من آخر الحصون المانعة لتسلل “شريعة الغاب” التي بدأ اللبنانيون يعيشون نماذج منها في مناطقهم، ففي الوقت الذي كان فيه القضاء يتلهى بمشاكله وإنقساماته سقط أكثر من سبع قتلى في غضون 24 ساعة بين عكار والليلكي باطلاق نار لأسباب تافهة وناتجة عن شعور المواطنين بتحلل الدولة وتفكك مؤسساتها.

خامسا: إكتفاء رئيس الجمهورية ميشال عون بتقييم الوضع عن بعد، والتنظير بأن غادة عون أخطأت بالشكل ولم تخطئ في الجوهر، في حين أنه يتحمل مسؤولية كاملة عن وقوفه طرفا في السياسة كما في القضاء، وعن دعمه المطلق للقاضية المحظية التي قال عنها كثيرون أنها “الذراع القضائي لرئيس الجمهورية”، فضلا عن إحتجازه وما يزال التشكيلات القضائية كونها تقصّ أجنحة غادة عون.

في كل الأحوال، ما لم يستطع مجلس القضاء الأعلى تحقيقه بالتشكيلات، نجح في تحقيقه في الاجراءات التي إتخذها بحق غادة عون بعد مثولها أمامه والاستماع إليها، حيث قرر “إحالتها الى التفتيش القضائي، الطلب منها الإلتزام بقرار النائب العام لدى محكمة التمييز المعمول به حتى تاريخه”، ما يعني كفّ يدها عن كل الملفات المالية والتي تتعلق بجرائم المخدرات والقتل.

إعترفت غادة عون أمام مجلس القضاء الأعلى أمس بأنها “بالغت في تصرفاتها في الأيام الماضية وبأنها أيضا كثيرة الانفعال”، وهذا يفسر تعاطيها مع بعض القضايا لا سيما تلك التي تخص سياسيين على خلاف وخصومة مع فريقها السياسي بحقد وردات فعل، وهذا أمر من شأنه أن ينعكس سلبا على القضاء، وأن ينهي مسيرة أي قاض ينطبق عليه قول الشاعر: “لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ، وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ”


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal