لبنان خارج الاهتمام بإنتظار التبدلات والانعطاف بالمنطقة!… جميل رعد

لا يختلف اثنان على خطورة ما وصل إليه الواقع اللبناني على كل المستويات (السياسية والاجتماعية والاقتصادية) فما آل اليه البلد من حالة الانحدار وانعدام الوزن والتفلت، فضلا عن ضعف الدولة، أدى الى فقدان أهميته ودوره، ليتحول الى بلد يعيش أزمة كيان، بل ربما تعداها الى أزمة نظام وأزمة حكم.

يؤكد ذلك بمدلولاته، أننا كنا نعيش وهما اسمه الدولة، فلا قاعدة ثابتة يرتكز عليها البلد ولا دستور يُطبق رغم وجوده، ليكون مرتكزا يُبنى عليه الوطن.

خلال العام الماضي وفي بداية العام الحالي، دخل لبنان مرحلة صعبة جداَ وقاسية، أخذت أشكالاَ مختلفة من الفوضى وإنعدام الوزن والتوترات بكل أشكالها، فضلاَ عن إنقسام حاد للقوى السياسية، وأيضا عاش ضغطا خارجيا لإخضاعه وتجفيف كل منابع المساعدات، مما أجبر القيادات السياسية على الإلتفاف كل الى بيئته لمحاولة سَد الثغرات، فتراجع دور الدولة المركزي بكل مستوياتها وأصبح البلد مكشوفاَ، بل وصل الإنهيار إلى مستوى غير مسبوق وأصبح من المستحيل إعادة ترميم ما تهدم، وأصبحنا ننتظر الظروف السياسية الدولية لتحديد مصيره ويبقى السؤال: هل البلد ذاهب إلى الارتطام الكبير؟ أم أن هناك محاولات لإعادة رسم خارطة الطريق بشكل يمنع الإنهيار نتيجة الحيوية والمفاوضات النشطة بالإقليم حول الملفات الساخنة؟

خلال الأسابيع المنصرمة كان هناك نشاط واضح لعدد من دبلوماسيي دول المنطقة والدول المعنية بالصراع، كل يدفع الأمور إلى ما يتناسب مع مصالحه وحساباته.

من الواضح، أن الزيارات لم تأت بحلول بل كانت من ضمن حسابات الربح والخسارة لكل هذه الدول. فقد أجهضت المبادرة الفرنسية وتعقد ترسيم الحدود مع الأميركي، وسقطت الدبلوماسية المصرية في فخ الواقعية السياسية لموازين القوى في لبنان. وتعثر تشكيل الحكومة من منطلق سياسي للحل. حيث أن المتقدم بالصراع لا يمكن أن يقدم بالسياسة ما عجز خصمه عن أخذه بالحرب، والخاسر بالصراع يحاول أستثمار واقع الإنهيار ليأخذ بالسياسة ما عجز عنه بالميدان، والبلد يعيش تراكمات للأزمات وبتسابق مع الزمن للوصول إلى الإرتطام الكبير لتحكم الواقعة مصيره السياسي مستقبلا، فلا أمل على المستوى القريب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كل مفهوم الدولة والدستور والمواطنة أصبح نظريات بلا معنى، ومع عدم وجود تفاهم وعقد سياسي جديد ومؤتمر تأسيسي يحدد مصير لبنان، سيبقى البلد بكل مكوناته رهينة لموازين القوى المحلية والخارجية وعندما نبدأ من هذه المصارحة، يكون النقاش جديا. فلبنان هو كيان وليس دولة وهو دائما يتحرك ضمن موازين القوى الداخلية والخارجية.

لا شك في أننا ذاهبون إلى أعلى مستويات التعبئة والإستقطاب والإنقسام والتحشيد السياسي. ربما بشكل لم نشهده منذ نهاية الحرب الأهلية، لأننا في العام المقبل أمام ثلاثة إستحقاقات (إنتخابات بلدية، إنتخابات نيابية وإنتخابات رئاسة جمهورية) وكل ذلك يترافق مع الإنهيار والشلل للمنظومة السياسية، فالبلد ينتظر إعادة تشكل توازناته وربما صيغة الحكم فيه وعندما نكون بهكذا لحظات مصيرية مع هكذا مستوى من الأزمات الضاغطة، يذهب الجميع إلى أقصى درجات التعبئة والتحشيد السياسي و المذهبي، وهذا سيكون السلاح الأبرز بإدارة اللعبة السياسية والإعلامية وسيلقى رعاية أميركية ورعاية من كل المتضررين من المسار السياسي قي المنطقة ولبنان.

قد تكون الإشكالية الرئيسية لدى أطراف النزاع الداخلي في لبنان، هي في فهم طبيعة المفاوضات الأميركية الإيرانية. خاصة أنه بات من الواضح أن المزاحمة الأميركية الروسية، جعلت موازين القوى متقاربة مع الأرجحية لصالح محور الروسي الصيني الإيراني. وبالتالي فقد أضحت موازين القوى من “صعدة” إلى”غزة” مروراّ  بسوريا والعراق ولبنان والواقعية الجديدة، تفرض قراءة المشهد بشكل عقلاني مغاير للمحاولات بالتهويل والتضليل والرهانات الخاطئة.

هناك عاملان جديدان تعيشهما المنطقة: أولا صمود محور المقاومة و حلفائها، وثانيا صعود وتقدم الصيني والروسي كمنافس حقيقي للأميركي، وكسر احاديته وسيطرته..

فكسر الحصار عن إيران رغم العقوبات التي وصلت إلى تصدير مليون برميل نفط يوميا وحاجة الأمريكي لاعادة تفعيل الإتفاق النووي مع إيران مرورا باليمن الذي تحول إلى دولة محورية في المنطقة على حساب حلفاء أميركا من السعودي والصهيوني، إضافة إلى تعافي سوريا التي تشكل دورا محوريا في الصراع، مما دفع دول المنطقة وتحديدا الخليج إلى إعادة ترتيب العلاقة معها رغم الضغوط الأميركية التي تؤخر مؤقتا وليس بشكل نهائي، وخصوصا أن الخليج يخشى من تصاعد محور جديد روسي إيراني تركي، ويكون على حسابها كنتيجة حتمية للواقعية الجديدة بالمنطقة.

أمام كل ذلك، يعيش لبنان المنقسم أزمة هوية والقوى التي حكمت البلاد وتساكنت مع بعضها طيلة العقود الماضية إنطلاقا من التحاصص وتقاسم المغانم والنفوذ وليس إنطلاقا لرؤية واضحة للدولة مما حولوهم إلى منظومة فساد كاملة وأصبحت هذه المنظومة هي الدولة العميقة التي تتحكم بالبلاد والعباد.

وأمام عجز الطبقة السياسة عن إنتاج الحلول من مبدأ (فاقد الشيء لا يعطيه)، سيستمر لبنان بعمق أزمته التي تأخذ أشكالا مختلفة بإنتظار إستقرار المنطقة والإنعطافة بالإقليم.

الكاتب: جميل رعد… ناشط سياسي


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal