أقل ما يمكن أن يقال في قضية تعديل المرسوم 6433 المتعلق بترسيم الحدود البحرية الجنوبية، أنه يشكل فضيحة غير مسبوقة ومن العيار الثقيل لسلطة من الهواة رئاسة وحكومة يلعبون بمصير الوطن، ويتعاطون باستخفاف إن لم نقل بـ”غباء” مع واحد من أهم الاستحقاقات المتعلقة بسيادة البلاد وحقها في إستخراج نفطها وغازها.
مرسوم التعديل الذي وقعه وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار الذي إرتكب مغالطات عدة في الوقائع والتواريخ والمبالغ المالية في مؤتمر صحافي كان أشبه بـ”ديوانية يقيمها مع أبناء بلدته”، ومن ثم وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر، وصولا الى رئيس حكومة تصريف الأعمال كان بمثابة من يقوم “بتحضير عرس بكل تفاصيله وبارسال البطاقات الى المدعوين لكن من دون وجود عروس”، خصوصا أن أصل صدور المرسوم مرتبط بموافقة مجلس الوزراء مجتمعا وهو الأمر الذي لم يحصل، فلا مجلس الوزراء إنعقد، وتبين أن تاريخ الجلسة التي من المفترض أن يجتمع فيها تُرك على الورقة التي وقعها وزيرا الأشغال والدفاع فارغا، ما يعني أن كل ما كان يحصل في هذا الاطار والاشكالات التي أثيرت حوله والاستهدافات وعمليات التسييس والاتهامات المتبادلة كانت كلها مثل “سراب يحسبه الظمآن ماء”.
من حق اللبنانيين أن يضربوا كفا بكف على سلطة سياسية تتلاعب بمصيرهم، وتسمح اليوم للعدو الاسرائيلي بمزيد من إنتهاك الثروة اللبنانية باستخراج الغاز، بينما هي تغرق في تصفية الحسابات، فبعد الفشل الذريع في تشكيل حكومة جديدة وإنقاذ الاقتصاد والوضع المالي من الانهيار والسير في طريق الانقاذ وبعد الثقة المفقودة بها عربيا وإقليميا ودوليا، جاءت فضيحة تعديل المرسوم 6433 ليفتح الباب أمام رئيس الجمهورية لمزيد من الابتزاز والضغط من أجل تفعيل حكومة تصريف الأعمال وإجبارها على عقد جلسة تحت ستار الموافقة على تعديل المرسوم، بما يؤدي الى تطيير تشكيل الحكومة والضغط أكثر فأكثر على الرئيس سعد الحريري للسير وفقا لرؤية جبران باسيل الحكومية.
هذا الواقع، دفع كثير من المتابعين الى التساؤل، هل ما يحصل هو خلاف دستوري بين الرئيسين ميشال عون وحسان دياب، أم أن ثمة إتفاق من تحت الطاولة بينهما لاثارة موضوع تعديل مرسوم الحدود البحرية بهذا الشكل لرفع الملامة عن الرئيس دياب في عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال بشكل مخالف للدستور، خصوصا أن هيئة التشريع والقضايا وبعد فتاوى مستشار الرئاسة سليم جريصاتي أكدت أن الأمور لا يمكن أن تحل بالمراسيم الجوالة وبالتالي يحتاج الى إجتماع للحكومة؟.. ومن هي الجهة المخولة لتبين للبنانيين حقيقة ما يجري؟، وأين الجيش اللبناني من كل ما يحصل؟ وهل يقبل حزب الله في أن تبقى الحدود البحرية مستباحة من قبل العدو الاسرائيلي في الوقت الذي تستخدم فيه هذه القضية الوطنية والسيادية في تصفية حسابات سياسية؟، ثم بعد ذلك كيف سيكون موقف الموفد الأميركي ديفيد هيل الذي يبدأ جولاته اللبنانية اليوم؟.
يبدو واضحا أن الوزير ميشال نجار لم يكن مطلعا على ملف الترسيم من الأساس، ما دفعه الى إرتكاب أخطاء ومغالطات عدة إستخدمها البعض لتصفية الحسابات مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي لم يكن في العام 2007 لا وزيرا للأشغال العامة ولا رئيسا للحكومة، بل كان فؤاد السنيورة رئيسا للحكومة ومحمد الصفدي وزيرا للأشغال، وهذه الحكومة هي من قامت بالتفاوض مع الجانب القبرصي وترسيم الحدود معه، ثم عملت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري على هذا الملف، وصولا الى حكومة ميقاتي حيث تم إقراره في مجلس النواب الذي يضم كل الأطياف السياسية من بينها حزب الله، الى أن تم الكشف عن الخرائط الجديدة التي لدى الجيش اللبناني وتبين بأن لدينا حق بـ 2230 كلم، أي بزيادة 1430 كلم على الـ 860 الموجودة في المرسوم الذي عملت عليه ثلاث حكومات ووافق عليه مجلس النواب مجتمعا.
ما يحصل اليوم، هو أن لبنان لم يعد معلقا ولا مطلقا في قضية الترسيم، فالتعديل يحتاج الى قرار مجلس الوزراء مجتمعا، وهذا غير متوفر، ورئيس الجمهورية يضغط من أجل إنعقاد مجلس الوزراء نكاية بالرئيس سعد الحريري، ما يؤكد بحسب مطلعين أن المصالح الشخصية تزداد تقدما على المصلحة الوطنية العليا التي تتطلب إما تشكيل حكومة جديدة تسارع الى البت بهذا الملف، أو إيجاد فتوى قانونية تجعل هذا المرسوم نافذا حماية للسيادة الوطنية.
مواضيع ذات صلة: