يطل الشهر الفضيل هذا العام في الوقت الذي تحتدم فيه الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في لبنان، حيث يزرح المواطن اللبناني تحت وطأة حالة يرثى لها منذ انخفاض قيمة العملة الوطنية، مما أحدث فوضى عارمة في أسعار السلع الاساسية، فمع انعدام طرح حلول جدية لمعالجة هذه الأزمات من قبل المسؤولين وغياب لجنة حماية المستهلك يتمادى التجار في بطشهم وجشعهم من دون حسيب أو رقيب، الامر الذي حوّل رمضان من شهر اليمن والبركات الى شهر الحرمان والمأساة، فيما يبقى دفء العبادات والأمل بالله هو السائد لدى الصائمين.
يتسابق الناس على المواد المدعومة لتأمين مستلزمات الافطار باسعار أرخص، وقد بات ذلك أشبه بالمهمة المستحيلة كون الغلاء ضرب كل القطاعات وأثر على القدرة الشرائية عند كل طبقات المجتمع خصوصا أن الازمة الراهنة جوعت الطبقة الفقيرة وأفقرت الطبقة المتوسطة.
في جولة على أكثر من سوق تجاري في لبنان، يبدو واضحا أن الازمة الاقتصادية ترخي بثقلها على المواطنين وعلى حيوية الاسواق والشوارع التي لم تفتقر لضجيجها وصخبها المعتاد بالاحتفال بقدوم شهر البهجة والكرم والخير.
تفتش أم زياد على النذر اليسير من مواد ومستلزمات لتحضير افطار لعائلتها المكونة من خمسة أفراد، وتقول: “كنا نحط على سفرتنا الرمضانية من سنتين ما لذ وطاب، هلق حتى البرغل مش من قدرتنا”.
الغصة في كلام أم زياد تترجم الواقع بدقة، حيث يشكو أحمد “الخضرجي” الغلاء الفاحش مشيرا الى تصاعد اسعار الخضار والفواكه بشكل جنوني، لافتا الى أن تكلفة صحن الفتوش من سنتين كانت أربعة الاف ليرة لبنانية، أما اليوم فقد أصبح كيلو الخيار فقط بهذا السعر، ولهذا السبب يعتبر اليوم طبق الفتوش من الكماليات نظرا لسعره الباهظ.
يعزو المواطن أبو تيسير الغلاء الى تصاعد سعر صرف الدولار، ويعبر أمام عجزه عن تأمين حاجات عائلته عن غصة بحجم وطن، هذا الوطن الذي خذل وكسر بخاطر الرجل السبعيني في هذه الايّام المباركة بفعل إنعدام الحس الوطني والمسؤولية المجتمعية لدى قياداته وحكامه..
بينما كانت موائد الافطار تمتلئ بأنواع مختلفة من الطعام، تكتفي اليوم بصنف واحد أو اثنين بحسب امكانية كل عائلة. أما عن الحلويات فهي على قاعدة “شم ولا تدوق”
يكابد المواطن اللبناني هذا الواقع الاليم حتى الاطفال لم يعد باستطاعتهم الاحساس ببركة وروحانية هذا الشهر بسبب الظروف التي حرمتهم من زينة رمضان والحصول على ما يشتهونه.
“الشعب اللبناني اذا الله ما اتطلع فيه يمكن ما يفطر” ختمت ام زياد لتوضح أنه لم يبق شيء من الشهر الفضيل سوى العناية الالهية التي تخفف من وطأة ومعاناة الصائمين في هذه الايام الصعبة. لم يبق لدى الناس ما يتكئون عليه سوى العبادة والايمان فجنون الدولار التهم مدخراتهم وافترس مداخيلهم.
انتصر البؤس على بهجة رمضان هذا العام لتبقى الروحانيات بقعة الامل في سوداوية المشهد.
أعاده الله علينا وعليكم باليمن والخير آملين أن تعود بهجة رمضان لترمم أرواحنا المتعبة.
مواضيع ذات صلة: