كان يا مكان في قديم الزمان، كان هناك قبيلة مشهورة بالغباء تسيّر أمورها بكثير من الارتجال والعشوائية وتدفع ثمن ذلك باهظا من سلامة أبنائها.
في يوم من الأيام وقعت حربا بينها وبين قبيلة أخرى، لكن هذه الحرب كان سلاحها فقط الرماح التي تطلق من خلف متاريس رملية يختبئ خلفها رجال القبيلتين..
جهزت القبيلة المشهورة بالغباء رجالها وأقواسها ورماحها، ومثلها فعلت القبيلة الأخرى التي نفذ بعض رجالها حيلة بسيطة جدا كانت عبارة عن إعتماد المناداة بالأسماء، حيث كان أحد الرجال ينادي “أبو فهد” فيطل الأخير رأسه من المتراس ليسأل من المنادي، فيطلق عليه الرمح ويقتل، ثم ينادي أبو فريد، فيطل رأسه بشكل مماثل ويقتل بالرمح الذي يصيبه، وهكذا دواليك من المناداة: أبو محمد، أبو أحمد، أبو خالد أبو حسين، حتى سقط للقبيلة عدد كبير من الرجال حتى كادت أن تخسر حربها.
إجتمعت قيادات القبيلة المشهورة بالغباء لكي تضع خطة جديدة للحرب، وتدرس آلية الرد المناسب على القبيلة العدوة، وبعد نقاش إمتد لساعات، خرج مجلس القبيلة بتوصية، وهي أنه في حال نادي منادي القبيلة العدوة أبو محمد.. يبقى الأخير في مكانه ويخرج مكانه أبو خالد..
هذه القصة تكاد تكون “حفر وتنزيل” على تعاطي الدولة اللبنانية ولجنة كورونا تحديدا مع أزمة فيروس كوفيد ـ 19، حيث لا يزال الارتجال يفرض نفسه ويترجم بقرارات عشوائية غير قابلة للتطبيق بل على العكس غالبا ما يكون لها إنعكاسات سلبية، وهو ما يبدو واضحا من أرقام الاصابات والوفيات التي تزداد يوما بعد يوم بالرغم من كل التدابير والقرارات التي إتخذت منذ أكثر من عام، والتي تؤكد النتائج أنها لم تكن في محلها، خصوصا أنها لم تترافق مع توفير أي من مقومات الصمود لأصحاب المؤسسات التجارية والسياحية والمطاعم وللعمال والمياومين والعائلات الفقيرة الذين تُركوا لمواجهة مصيرهم في التعرض للافلاس والفقر والعوز وتدمير قطاعاتهم التي باتت ضحية دولة تريد تطبيق قرارات الدول المتقدمة، وتنسى التقديمات المالية والاجتماعية التي توفرها تلك الدول للملتزمين بالحجر.
لم يعد في لبنان من قطاع يستطيع الوقوف على قدميه، فالمؤسسات التجارية التي تعاني الأمرين نتيجة الغلاء الفاحش وجنون الدولار تواجه الافلاس، والمطاعم والمقاهي التي هجرها روادها تتعرض لتدمير ممنهج وصولا الى الاقفال وتشريد العمال، وما زاد الطين بلة، هو تفتق عبقرية “لجنة كورونا” مؤخرا بقرارها القاضي بمنع التجول الكامل طيلة شهر رمضان المبارك من الساعة السابعة مساء وحتى الخامسة فجرا، ما يعني القضاء التام على موسم رمضان، وموسم العيد وموسم الافطارات وهي كلها ينتظرها أصحاب المصالح بفارغ صبر، حيث لم يعد أمام هؤلاء سوى إقفال أبواب مؤسساتهم وتسليمها الى المسؤولين المعنيين في الدولة التي بعدما عمّها الفشل، بدأت تفقد الحسّ الوطني الذي يحتم عليها الحفاظ على القطاعات المنتجة في البلاد.
غدا ومع بدء الاقفال ومنع التجول تبدأ الاستثناءات بالتمدد، ويظهر أصحاب النفوذ والدعم، ويسلك المخالفون الطرقات غير المراقبة من قبل القوى الأمنية، وتكثر رياضة المشي بين المناطق، ففي رمضان لا يستطيع أي كان أن يمنع الناس عن بعضها البعض، ما يعني أن القرار سيطبق حصرا على المحلات التجارية التي ستفتح بشكل طبيعي خلال النهار وكأن كورونا لا تنتقل ولا تهدد سلامة الناس إلا بعد الساعة السابعة مساء، وكذلك على المطاعم التي تبقى أكثر أمنا من حيث السلامة في حال إعتمدت التباعد المطلوب، من بعض المنازل التي ستكتظ بالأهل للاجتماع على الافطار.
كان الأجدى بالدولة ولجنة كورونا أن لا تكونا نسخة طبق الأصل عن القبيلة التي قُتل رجالها بحيلة بسيطة، فكورونا قبل الظهر هي نفسها كورونا بعد الظهر ومساء، والمطلوب فقط إلتزام الناس بمعايير السلامة من التباعد الى الكمامة وهذا ما يجب أن تعمل عليه مؤسسات الدولة الرقابية والأمنية، وما دون ذلك كله من دون طائل ولا يسمن ولا يغني من سلامة، خصوصا أن في لبنان من لم يمت بكورونا مات من قهر الافلاس والذل والفقر والجوع واليأس.
مواضيع ذات صلة: