منذ اليوم الأول لولادة المبادرة الفرنسيّة لمساعدة لبنان في الخروج من أزماته المالية والسّياسية ووقف الإنهيار، بعد زيارتين قام بهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في غضون شهر بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، ساد انطباع ضمن الأوساط السّياسية أنّ هذه المبادرة لن يكتب لها النّجاح.
هذا الإنطباع يعود إلى جملة عوامل، منها عدم أخذ المبادرة الفرنسيّة بعين الإعتبار التعقيدات والتفاصيل اللبنانية الداخلية، التي لا يمكن تجاوزها، وعدم حصول المبادرة على تفويض إقليمي ودولي للسير بها، بعدما لم تعد فرنسا لاعباً مؤثّراً لا في السّاحة الإقليمية ولا السّاحة الدولية.
كانت الأشهر السّبعة الماضية كافية لأن تثبت أنّ المبادرة الفرنسية قد أصبحت من الماضي، برغم استقالة حكومة الرئيس حسّان دياب، بعد أقل من أسبوع على انفجار المرفأ، وتكليف الرئيس سعد الحريري تأليف “حكومة مهمّة” في 22 تشرين الأول الفائت، ما جعل كثيرين يؤكّدون أنّ المبادرة الفرنسية قد ماتت.
هذاه الأجواء لعلّها هي التي أزعجت الفرنسيين، الذين دأبوا في الآونة الأخيرة على توجيه إنتقادات قاسية للمسؤولين اللبنانيين بسبب فشل مبادرتهم، وآخر الإنتقادات كان ما قاله وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، أول من أمس، من أنّ “الأزمة في لبنان ليست ناتجة عن كارثة طبيعية، بل عن مسؤولين سياسيين معروفين”، متهماً القوى السياسية اللبنانية بأنّها “عمياء ولا تتحرك لإنقاذ البلاد، على الرغم من تعهداتها، وهي تتعنت عن عمد، ولا تسعى للخروج من الأزمة”.
ولأنّ الضوء الأخضر لمعالجة الأزمة اللبنانية، مالياً وسياسياً، لم ينضج بعد، بانتظار تبلور ما ستنتج عنه المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية بخصوص ملفات كثيرة من بينها الملف اللبناني، ولأنّ الباب السّعودي ما يزال مقفلاً أمام الحريري الذي لا يستطيع أن يؤلّف حكومة من غير أن يحظى بغطاء سياسي ومالي من المملكة، فقد دخلت كلّ من مصر والجامعة العربية على الخط، وأطلقتا مبادرتين سرعان ما ماتتا في المهد، بعدما تبين أنّهما لملء الوقت الضائع، وليس لإنتاج حلول.
فوزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي زار لبنان أول من أمس وطرح تصوّراً مبدئياً للحلّ يتقاطع مع المبادرة الفرنسية، لم يظهر كوسيط محايد في الأزمة، فهو فضّل تجنّب اللقاء مع طرفين رئيسين في السّاحة اللبنانية هما حزب الله والتيّار الوطني الحرّ، في خطوة بدت تناغماً مع الموقف السعودي السلبي من الحزب والتيّار، كما استثنى من لقاءاته رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، ووزير الخارجية شربل وهبه ولو بلقاء بروتوكولي، بينما التقى إلى جانب الرؤساء ميشال عون ونبيه برّي والحريري كل من البطريرك الماروني بشارة الراعي، رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، وأجرى اتصالاً مع رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع.
وما كاد رئيس الديبلوماسية المصري يغادر لبنان، حتى وصله يوم أمس الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، الذي قال إنّ الجامعة العربية “تضع إمكاناتها بتصرّف أيّ خطوة تساعد على تسهيل الإتفاق بين اللبنانيين بكل المجالات”، محذراً من “الوضع الإقتصادي الصعب، وأنّ الأصعب قادم، ونعلم أنّ الوضع ليس جيداً، ونريد أن نتدارك الأمر قبل فوات الأوان”.
لكن ما ارتكبه شكري من إستنسابية في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين فعله زكي أيضاً، وجعل مبادرته تموت قبل أن تولد، ولما سُئل عن سبب ذلك ردّ بجواب غير مقنع بأنّ “اللقاءات السّياسية مقتصرة من أجل المسافات وأمور أخرى”.
مواضيع ذات صلة: