هل سجّلت الأيّام القليلة الماضية خروقات في جدار أزمة تأليف الحكومة المُغلق بإحكام منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيلها، في 22 تشرين الأوّل 2020، وهل اقتربت ولادة الحكومة فعلياً، أم أنّ أجواء التفاؤل الحذر التي أشيعت خلال السّاعات الماضية ليست سوى قنابل دخانية وطبخة بحص؟
خيبات الأمل العديدة السّابقة بعد الفشل في التوصّل إلى مخرج لتأليف الحكومة، بعدما وصلت اللقمة الحكومية إلى الفم ثم طارت في آخر لحظة، جعل كثيرين يتعاملون بحذر شديد مع التطوّرات الأخيرة، وبتكتم كبير إزاء الإتصالات و”التسويات” التي أفضت إلى صيغة حكومية أولية تنتظر وضع اللمسات الأخيرة عليها، لأنّ الفشل هذه المرّة ستكون تداعياته أشد خطورة من إنتكاسات المرّات السّابقة.
لكن لماذا يبدي البعض تفاؤلاً، ولو حذراً في الوقت الحالي، أكثر من أيّ مرّة سابقة، وما الذي تغيّر حتى يُقدّم الأطراف المعنيون تنازلات كانوا يرفضونها في السابق، ثم يعودوا ليقبلوا بها الآن، وما هي الصيغة ـ التسوية التي يشتغل عليها “طابخو” تشكيلة الحكومة، وعلى أيّ أساس؟
إحدى الإشارات الرئيسية التي التقطت في هذا السّياق، كان ما أدلت به مصادر مقربة من رئيس الجمهورية ميشال عون، من أنّ “قطار المبادرة إنطلق من بعبدا”، غير أنّها لم توفّر التصويب على الحريري عندما أشارت إلى أنّ “محطة بيت الوسط تبدو مقفلة والمسؤول عنها سافر”، وهو ما دفع مقربين من الحريري، الذي غادر إلى الامارات في زيارة قصيرة، إلى عدم التحجج بسفره، والرد أنّه “غادر لساعات وهاتفه معه، فإذا وافقوا على المبادرة يمكنهم الإتصال به ليعود”.
هذا الغمز واللمز بين قصر بعبدا وبيت الوسط يُفهم منه أنّ هناك مبادرة سياسية تحاول فكّ الألغام وإزالة العوائق من طريق تأليف الحكومة، وأنّ هذه المبادرة قد نالت موافقة الأطراف الرئيسية عليها، عون والحريري تحديداً، لكن هناك رتوش وتفاصيل صغيرة تحتاج إلى حلحلة، برغم مخاوف من أن تكمن الشياطين في التفاصيل وتطير معها التسوية.
وينطلق هذا التفاؤل الحذر من أنّ تسويات عديدة بدأت أو هي في طريقها لتترجم على الأرض في ملفات كثيرة معقّدة في المنطقة؛ فالأزمة الليبية سلكت طريقها للحل، وفي اليمن تطبخ فيها التسوية على نار هادئة، كما أنّ الوضع في العراق يسير على نحو متدرّج نحو إستقرار نسبي، في حين بدأت بعض معالم التسوية في سوريا تلوح في نهاية النفق المظلم المستمر منذ أكثر من 10 سنوات.
كلّ ذلك يبدو أنّه شكّل دافعاً للمعنيين في لبنان لمواكبة ما تشهده المنطقة وعدم تفويت الفرصة، بعد تحذيرات عديدة وصلت من جهات خارجية من خطورة الجمود الحاصل في الملف الحكومي، والذي يهدّد بالإنهيار أكثر، وصولاً إلى الإنفجار، وهو ما أشارت إليه مصادر فرنسية حضّت على تأليف الحكومة “ضمن مهلة لا تتعدى أيّاماً أو أسابيع قليلة جدّاً، أسبوعان أو ثلاثة أسابيع على الأكثر”.
وفي حين تتكتم الجهات المعنية على تفاصيل التسوية الحكومية المرتقبة، فإن صيغة تشكيلة حكومية من 24 وزيراً تكنو ـ سياسية تبدو المرجّحة حتى السّاعة، وفق صيغة 3 ثمانات، لا ينال فيها أي فريق لوحده الثلث المعطل، توزّع فيها الحقائب الرئيسية بالتوافق لجهة تسمية الوزراء الذين سيتولونها، ويكون الإختصاصيون الصفة الغالبة على وزراء الحكومة المقبلة.
فهل سيخرج الدخان الأبيض قريباً من قصر بعبدا، أم أنّ التفاؤل بولادة الحكومة نهاية هذا الأسبوع، حسب ترجيحات، سوف يدفن في مهده؟
مواضيع ذات صلة: