في ظل الأوضاع الشديدة الخطورة التي يعاني لبنان من تداعياتها على مختلف الصعد، والتي لم يشهد مثيلاً لها، منذ قيام الجمهورية، وفي إطار المشاريع والمبادرات التي تتصدى للأزمة البنيوية، وتسعى لخلق مساحة من الحوار بهدف إيجاد الحلول الناجعة، نظم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، بالتعاون مع مؤسسة (Hanns Seidel ) الألمانية، ورشة تفكير ونقاش على مدار يومين تحت عنوان: “مدخل إلى تحقيق الدولة المدنية في لبنان” في فندق “فكتوري” في جبيل.
إفتتح الجلسة الدكتور مصطفى الحلوة، ثم ألقى رئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره كلمة المركز فأشار الى كثرة الكتابات حول تبرير مصطلح الدولة المدنية والمقارنة بينه وبين الدولة العلمانية، لافتا الى استخدامه في هذه الورشة لأنه أصبح شائعا في لبنان والبلدان العربية. (في تونس بعد الثورة دخل المصطلح في الدستور الصادر عام 2014). كما أن غالبية القوى السياسية في لبنان تطالب بالدولة المدنية، كما وعد به رئيس الجمهورية الشعب اللبناني.
وإذ شدد الدكتور العكره على أنه لا يدافع عن مصطلح “الدولة المدنية” لأنه غير مقتنع بدقته للدلالة على المضمون الذي يطمح اليه، أشار الى أن أوضح ما في مصطلح الدولة المدنية من مضمون: انها تناقض الدولة العسكرية (وما يتعلق بها من أنظمة توتاليتارية)، وتناقض الدولة الدينية (وما يتعلق بها من أنظمة تحكم باسم الله والنصوص الدينية). وهذا يؤدي في نهاية الأمر الى القول بدلا عن الدولة المدنية، بالدولة الديمقراطية (وبما تقوم عليه من مفهوم المواطن الناتج عن مبدأ “الشعب مصدر السلطة”).
وختم الدكتور العكره كلمته بالتساؤل هل أن الدولة المدنيّة تشكّل الحلّ المطلوب للبنان أم انها تطرح مشكلة أو مشاكل جديدة؟
كما تحدث المسؤول الإقليمي لمؤسسة “هانز زايدل” كريستوف دو فارتس (من الأردن)، ومندوب “المؤسسة” في لبنان طوني غريب وعقدت ست جلسات عمل، تخلّلتها إحدى عشرة مداخلة لباحثين في علم القانون والسياسة، وفي الاقتصاد والتنمية والتربية والفلسفة والدين.
ولقد تميّزت الورشة بالتفاعل بين الحاضرين، وخلصت الى سلسلة توصيات لجهة التوقف عند قضية المفاهيم، وجلاء مصطلح الدولة المدنية، من حيث مضامينه وأبعاده، إضافة الى الثوابت والرؤى لجهة إن النظام اللبناني الطائفي، الذي يُعيد إنتاج نفسه، ويشرِّع السبيل لمنظومةٍ فاسدة، تنظر إلى الدولة من منظور زبائني وغنائمي.
وصدر عن الورشة عدة توصيات أبرزها:
ــ تلقُّف الدعوة التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، عشية مئوية لبنان الكبير (30 آب 2020)، إذْ دعا إلى “إعلان لبنان دولة مدنية.
ــ إعادة الحياة إلى مشروع قانون تطبيق اللامركزية الإدارية، الذي عملت عليه اللجنة التي تمّ تشكيلها برئاسة وزير الداخلية الأسبق زياد بارود، بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر في 7/11/2012،.
ــ الدعوة إلى البحث لبنانيًا في علاقة تعاون تأصيلي بين الدولة والمرجعيات الدينية، من دون أن يعني ذلك تساويًا، على مستوى مفهوم الدولة، إذْ لا بُدَّ أن تبقى الدولة الأفق التأويلي الأعلى.
ــ إعادة التفكير بمختلف شبكات الحماية الاجتماعية، وبما يُحرِّر المواطن من الانتماءات الجزئية، كما تحريره من العبء الطائفي.
ــ قانون انتخابٍ حداثيًا وعصريًا، يعتمد النسبية الحقّة، غير المشوّهة، وخارج القيد الطائفي، على رُغم التباين بين المجتمع التونسي، المتشكِّل من طائفة دينية واحدة، وبين المجتمع اللبناني، المتعدِّد طائفيًا ومذهبيًا.
ــ يمكن الإفادة من التجربة التونسية الحالية، وهي أرقى التجارب في البلاد العربية، لجهة الإصلاحات التي طاولت مختلف المجالات التشريعية والاجتماعية والتربوية.