فاجأ رئيس الجمهورية ميشال عون اللبنانيين بتصريح غريب أدلى به الى مراسل تلفزيون ″الجديد″ الزميل آدم شمس الدين قال فيه: ″من فترة قلتلها لمرتي يا ريت ورتت بستان جدي وما عملت رئيس جمهورية″.
المفاجأة جاءت ثلاثية الأبعاد..
البعد الأول، هو أن شعب لبنان العظيم إنتظر سنتين ونصف السنة من الفراغ في رئاسة الجمهورية حتى إستوت طبخة إنتخاب عون رئيسا، من إستبعاد زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، الى ما عُرف بالتسوية الرئاسية بين عون والحريري الذي خالف شارعه وبيئته وأصر على إنتخابه، وصولا الى تفاهم معراب الذي تم بين عون وسمير جعجع الذي أراد في ذاك الوقت تصفية حساباته مع فرنجية لمصلحة إنتخاب عون، وذلك قبل أن ينهار التفاهم والتسوية معا، وربما قبل أن يشعر الحزب بالندم على كل هذا الوفاء.
البعد الثاني، هو أن عون يُتهم بأنه تخلى عن صفة رئيس الجمهورية الجامع، وبات أقرب الى رئيس التيار الوطني الحر، وأنه يبذل كل ما بوسعه ويضغط من خلال موقعه وتوقيعه بتعطيل تشكيل الحكومة من أجل تجيير الرئاسة من بعده الى صهره جبران باسيل..
فإذا كان بستان جده أفضل من رئاسة الجمهورية، فلماذا يريد توريط زوج إبنته بهذا المنصب؟.
البعد الثالث، هو مناداة بعض قيادات التيار الوطني الحر بتمديد ولاية عون سواء من أجل الاستمرار بمسيرة الاصلاح! أو لمنع حصول الفراغ في الرئاسة الأولى في حال لم يتم إنتخاب رئيس جديد، ما يشير الى هوة واسعة من عدم التنسيق ضمن الفريق البرتقالي الواحد، كما يؤكد تمسك عون بموقعه الى أبعد الحدود، خصوصا أن أكثر من جهة دعته الى الاستقالة أولا للاطاحة بالحريري الذي يرفض عودته للسراي بالكامل كرمى لعيون باسيل، وثانيا لافساح المجال أمام إجراء إنتخابات نيابية مبكرة تعيد تكوين السلطة من جديد.
وإذا كان بستان جد الرئيس لا يساوي رئاسة الجمهورية، فلماذا لا يقدم على الاستقالة ويدخل التاريخ كأول رئيس يفضّل مصلحة لبنان على الاستمرار في عهده الذي شهد فيه اللبنانيون كل أنواع الويلات؟.
ربما من الطبيعي، أن تتمنى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين لو كان الرئيس عون “ورث بستان جده”، لكان وفر عليها كثيرا من المآسي والمعاناة والأزمات التي تتوالد يوما بعد يوم بفعل سلسلة من الاخفاقات في الايفاء بالوعود التي قطعها على نفسه لا سيما لجهة عدم تحقيق الاصلاح ولا الاصلاحات، والفشل في القضاء على الفساد والهدر، والعجز في بناء الدولة، وهو الأمر الذي حمّله جبران باسيل الى تفاهم مار مخايل مع حزب الله، هذا التفاهم الذي أسسس لمسيرة الرئيس عون باتجاه قصر بعبدا.
قد تكون للمرة الأولى التي تتوافق فيها تمنيات الرئيس عون مع تمنيات شعبه.
فاللبنانيون الذين يشعرون بالقهر أمام جنون سعر الدولار الذي سجل أرقاما فلكية لم يكن اللبنانيون يتوقعونها حتى في أحلامهم، ويتسابقون بذل الى محلات المواد الغذائية التي تحولت الى حلبات مصارعة يحصل في نهايتها الأقوى والأشرس على البضائع المدعومة.
واللبنانيون الذين عادوا الى الاصطفاف أمام محطات المحروقات التي لا تملأ خزانات سياراتهم سوى بنصف صفيحة بنزين، وأمام الأفران، والصيدليات التي تكاد تفرغ من مخزونها الدوائي من دون إيجاد بدائل.
واللبنانيون الذين عادوا الى زمن الشموع والقناديل بفعل تقنين شبه كامل للكهرباء التي فرغت معاملها من الفيول، ثم يقدمون أنفسهم قرابين على مذبح كورونا الذي لا يرأف بأحد منهم فيما الدولة تتعاطى بكل أنواع الارتجال في مواجهته.
واللبنانيون الذين دمّرت عاصمتهم بيروت وإستشهد أبناءهم وشردت عائلاتهم من دون أن يسمعوا ما يبلسم جراحهم من رئيسهم الذي سارع الى تحميل المسؤولية الى الصلاحيات المصادرة منه، والتي يسعى الى إستردادها بدعم من صهره لانتزاع حقوق المسيحيين، فيما اللبنانيون يتطلعون الى رئيس يهتم بتحصيل حقوقهم أقله بالعيش بكرامة.
كل هؤلاء، لو قُدّر لهم بعد هذا الغيض من فيض معاناتهم أن يتحدثوا الى الرئيس عون أمس لكان لسان حالهم: “فخامة الرئيس يا ريت ورتت بستان جدك وما عملت رئيس جمهورية”!..
فيما كتب أحد الخبثاء: “أنا مستعد لأشتري بستان جد الرئيس لتقديمه إليه كهدية عن روح الودائع التي دفنت في خزائن المصارف”!.
مواضيع ذات صلة: