عندما يتحدّث كبار المسؤولين في الدولة عن الوضع الصّعب الذي يعيشه لبنان هذه الأيّام، وعن الأيّام السوداء والأصعب التي تنتظره، فإنّه لا بدّ إلا إيجاد العذر للمواطنين العاديين الذين يُعبّرون عن تشاؤمهم حيال الأوضاع التي يعانون منها على كلّ الصعد، والقلق على ما آتٍ من الأيّام.
من تابع عيّنة من مواقف وتصريحات هؤلاء المسؤولين لا يمكن له أن يخرج بانطباع مغاير، بشكل يبدو معه للمراقب من بعيد أنّ البلد مقبل على انهيار كبير بين يوم وآخر، وأنّ مسؤوليه يتفرّجون عليه وهو ينزلق بهم ومعهم إلى قعر الهاوية، من غير أن يقم أي طرف فيهم بتقديم تنازلات أو تضحيات، أو التراجع عن عناد غير مبرر، لا هدف له سوى تأمين المصالح الضيقة للطبقة السّياسية الحاكمة، ولو على حساب مصلحة البلد العليا ومصيره.
في الجلسة الأخيرة التي عقدها مجلس النواب لإقرار بعض القوانين، ومنها إقرار قانون سلفة بقيمة مليون 200 دولار إلى مؤسسة كهرباء لبنان من أجل شراء مادة الفيول، بعد نفاده من خزّاناتها وتعطّلت بسبب ذلك معامل إنتاج الكهرباء عن العمل، وخيّمت العتمة على البلد بأكمله، سأل أحد النوّاب رئيس المجلس نبيه برّي: “ماذا سوف نفعل بعد شهر ونصف عندما تنتهي سلفة الكهرباء؟”، فأجابه برّي قائلا: “بعد شهر ونص ما في بلد إذا بقينا هيك”.
وفي تغريدة له على صفحته على موقع “تويتر”، قال رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري إنّ “الرسالة وصلت ولا داعي للردّ، ونسأل الله الرأفة باللبنانيين”؛ ومع أنّه لم يوضح ماهية الرسالة التي وصلته، فإن طلبه الرأفة، سواء لمواطنيه أو غيرهم، تدلّ الى أنّ الأمور وصلت إلى مرحلة صعبة، لأنّ طلب الرأفة لا يكون عادة إلا للمريض الذي لا يوجد أملٌ كبير بشفائه.
بدوره، سار نائب رئيس مجلس النوّاب إيلي الفرزلي على منوال كلام الرئيس برّي، عندما شدّد أنّ “معطيات محلية وخارجية دولية تؤكد عن أن البلد لا يحتمل شهراً”، ما دفعه للذهاب في التحذير والتنبيه ممّا ينتظر لبنان من مخاطر في المرحلة المقبلة، لمّا حذّر من أنّه “إنْ لم يكن هناك حلّ الشهر المقبل، فالأمور ذاهبة إلى أماكن أخرى من التدهوّر في الأزمة”.
الإستشعار بمخاطر المرحلة المقبلة على لبنان لمسها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، بعدما التقطت “أنتيناته” مؤشّرات مقلقة عمّا تحمله الأيّام المقبلة للبلد، في ضوء التعقيدات السّياسية حيال ملف تأليف الحكومة، والإنهيار الإقتصادي والمالي عدا عن الأوضاع الإجتماعية والمعيشية غير المسبوقة، والجوع الذي بات يدقّ بقوّة أبواب أغلب اللبنانيين، ما دفع جنبلاط للقول إنّه “خائف اليوم أكثر من الماضي، وخائف من الفوضى عندما أتذكر حرب الـ75، وكيف انزلقنا إلى الحرب”.
هي مسألة شهر أو شهر ونصف إذاً، فهل يعني ذلك أنّ اللبنانيين سوف يحلّ عليهم عيد الفطر السعيد، من غير أن تعرف السّعادة طريقاً إليهم، ويكون مصير البلد قد أصبح في مهبّ الريح، أم أنّ “معجزة” ما ستنقذه، ولو مؤقتاً، كما جرت العادة منذ ولادة الكيان قبل نحو 100 عام؟.
مواضيع ذات صلة: