ما أن يشعر اللبنانيون أن بصيص ضوء يلمع في آخر النفق المظلم الذي يسيرون فيه منذ أشهر، حتى يتطوع أكثر من مسؤول لاطفائه أو التصويب عليه، ليضاعف من معاناة ومآسي المواطنين الذين تُرتكب بحقهم جريمة جماعية تحولهم من شعب مضياف الى شعب يتسول ويتوسل الحصول على أبسط مقومات العيش.
حتى صباح أمس، كانت مبادرة الرئيس نبيه بري بتوسيع الحكومة الى 24 وزيرا وفق صيغة (3 ثمانات) من دون حصول أي تيار سياسي على الثلث المعطل تتقدم وتشيع أجواء إيجابية في البلاد، قبل أن يصحو اللبنانيون على مقابلة لرئيس الجمهورية ميشال عون يتباهى ويشيد فيها “بفولاذية صهره جبران باسيل تلميذه”، وبأنه “لن يرضخ”، متهما الحريري بأنه “يسعى الى إحراجه لاخراجه”، متناسيا أن أحدا لا يستطيع إحراج رئيس الجمهورية ولا حتى إخراجه والتجارب الماضية واضحة وما تزال ماثلة للعيان.
لا شك في أن إشادة عون بفولاذية باسيل جيّرت له التوقيع على مراسيم تشكيل الحكومة وقضت على ما تبقى من آمال التأليف، خصوصا أن “صهر العهد” قد إتخذ قرارا بالقتال الشرس على الحكومة حتى إنتهاك كرامة آخر لبناني يُقهر ويُذل في السوبرماركات للحصول على البضائع المدعومة، وأمام محطات البنزين والمستشفيات والصيدليات والأفران، وفي لياليه المظلمة التي يمضيها من دون الكهرباء التي سبق ووعد باسيل قبل سنوات بأن تكون تغذيتها 24 على 24.
كما أن تباهي عون “بعدم الرضوخ” ربما يُنسيه أنه رئيس للجمهورية اللبنانية أو “بيّ الكل” كما يحب أن يُطلق عليه، وأن على عاتقه تقع مسؤولية تأمين العيش الكريم لأبنائه وبالتالي العمل الدؤوب من أجل تشكيل حكومة إنقاذ، لا أن يتمسك بشروط سياسية تحوله من محضن جامع الى رئيس فئوي أو رئيسا للتيار الوطني الحر.
يمكن القول، إن وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان “طلع الشعر على لسانه” وهو يدعو الى تشكيل الحكومة، ويحذر من إنهيار لبنان وإختفائه عن الخريطة، وصولا الى تهديده المبطن أمس عبر بيان الخارجية الفرنسية بفرض عقوبات على معرقلي تشكيل الحكومة، لكن “قد أفلحت إذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي”.
ويترافق الموقف الفرنسي مع ترجمة عملية للسفيره آن غريو التي زارت كل المقرات وشددت على ضرورة إنهاء المراوحة القائمة بتشكيل حكومة، ومع تناغم من السفير السعودي وليد البخاري الذي شدد على ضرورة التأليف.
وكان للسفيرة الأميركية دوروثي شيا موقفا مماثلا مع التشديد على ضرورة الوصول الى تسوية، طالب بها أيضا وليد جنبلاط معلنا أنه لا يريد شيئا لنفسه، وأنه مستعد للتوافق مع النائب طلال أرسلان على الوزير الدرزي الثاني في حال تم توسيع الحكومة، كما عمل على التسوية ذاتها الرئيس نبيه بري بطرحه حكومة (3 ثمانات) والتي كان تحدث عنها أيضا السيد حسن نصرالله عندما طالب بكسر الرقم 18 وكسر الثلث المعطل.
هذا الواقع يشير الى أن كل المعنيين داخليا وإقليميا وخارجيا يريدون تشكيل حكومة باستثناء الرئيس ميشال عون الذي يسير وفق رغبات باسيل بالحصول على الثلث المعطل، حيث يؤكد مقربون منه أنه لا يمكن لأي كان أن ينتزع توقيعه من دون إعتماد المعايير الموحدة والميثاقية التي ينادي بها باسيل ما يعني الثلث المعطل الذي يبقيه في المعادلة السياسية.
والرئيس سعد الحريري الذي يبدو أنه ما يزال يتهيب تشكيل حكومة من دون الحصول على ضوء أخضر سعودي واضح المعالم مترافق مع تعهد بالدعم، خصوصا أن تشكيل حكومة من دون الدعم الأخضر، سيجعلها تقف على أبواب صندوق النقد الدولي الذي لن يتوانى عن فرض شروطه على لبنان.
وما بين تصلب عون وتهيب الحريري ينزف لبنان أبناءه في هجرة قسرية تفرض نفسها على الجميع، أما من سيبقى من اللبنانيين فسيكون عليه مواجهة أعباء اللجوء في وطنهم.
مواضيع ذات صلة: