في تصريح لافت لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في العام 2019، حذّر في اجتماع مع المغتربين اللبنانيين من أن “المجاعة آتية”. حينها حاول البعض التهجم على جنبلاط من باب أن الموقف مبالغ فيه ويأتي في خانة الاستهداف السياسي للعهد. وتوالت تحذيرات جنبلاط في كل تغريداته ومواقفه في تلك الفترة حول خطر الانهيار والمؤشرات المقلقة التي كان يراها، وكانت دعواته المتكررة لوقف الهدر في الكهرباء وفي اعتماد سياسات مالية مختلفة، وإلا سيكون مصير الخزينة هو الافلاس.
لكن وقع المحظور، وبات الانهيار أمراً واقعاً، وها هي المجاعة على أبواب اللبنانيين. في هذا الوقت يبدو أهل الحلّ والربط كأنهم يعيشون في جزيرة معزولة عن كل أوجاع الناس وأزمات البلد، ولا صوت يعلو على أصوات معارك البيانات وحروب استرجاع الحقوق والصلاحيات، فيما لا أحد يضمن أن يبقى البلد أصلا وأن تبقى الجمهورية.
أمام هذا الواقع، خرق جنبلاط مجدداً متراس الخصومة وزار قصر بعبدا، ليعلن أن لا حلّ الا بالتسوية، ومن المنبر نفسه عادت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا وأطلقت الموقف نفسه، ومثلها سفراء دول أخرى لا سيما السعودية وفرنسا.
لم يعد جنبلاط متمسكا بحكومة من 18 وزيراً، المهم الان هو تشكيل حكومة، ووزير بالزائد أو بالناقص هو تفصيل أمام انقاذ البلد. وعليه فإن المساعي الجديدة لم تعد مقيدة بصيغة محددة لا بل إن خيار حكومة من 24 وزيرا مطروح على طاولة النقاش، وهنا يكون جنبلاط هو من أسس للمبادرة الجديدة للرئيس نبيه بري ايضا، وعلى قاعدة أن لا ثلث لأحد ولا نصف زائدا واحد.
وسط هذه الأجواء، جاءت زيارة سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري الى قصر المختارة ولقائه جنبلاط، في لحظة مصيرية من تاريخ البلد وفي ظل حراك دبلوماسي مكثف ثلاثي الأقطاب يسعى لوقف النزيف اللبناني.
وقد علم موقع mtv ان النقاش كان صريحا بين جنبلاط والبخاري وفي الكثير من الملفات وليس فقط المحلية. وفي الملف المحلي كان هناك نقاش في وجهة نظر جنبلاط حيال دعوته الى التسوية والطروحات والأفكار المتداولة في هذا الموضوع والوقوف على رأيه.
كما كان تأكيد من قبل السفير البخاري على ان السعودية تؤيد حصول توافق داخلي لبناني بصرف النظر عن التفاصيل لإنجاز الحكومة، وهي يهمها برنامج الحكومة العتيدة وقدرة تنفيذها لهذا البرنامج، وتتعاطى مع اللبنانيين من دون أي تفرقة على هذا الأساس وعلى قاعدة من الاحترام المتبادل.
وحول تفاصيل الزيارة، أشار مفوض الاعلام في “التقدمي” صالح حديفة، في حديث لموقع mtv، أن “الزيارة لها ثلاثة أبعاد اساسية، البعد الأول يتعلق بأنها تأتي كتكريس لعلاقة تاريخية عريقة أرساها المعلم كمال جنبلاط مع الملك فيصل ثم توالت فصولا بكل صراحة وودّ واحترام متبادل وتشاور وتبادل للآراء في مختلف القضايا وليس فقط اللبنانية، وقد كانت زيارة السفير البخاري الى ضريح كمال جنبلاط لتؤكد على هذا البعد، وعلى ميزة هذه العلاقة القائمة على الاحترام التي تتخطى بأشواط بعض التوصيفات التي يحاول البعض في لبنان لصقها بالعلاقة مع المملكة، فيما هي كانت ولا تزال الداعم في السياسة والرمز الى البعد العربي، والمثال في الأيادي البيضاء لإعمار وانماء لبنان، وفي المساهمة باستقراره وبوقف الاقتتال فيه، ولم تكن الا كذلك في كل المراحل حتى رغم كل ما يوجّه لها من سهام انتقاد لبنانية في كثير من الأحيان. وهذا البعد يتكرّس اليوم بشكل الزيارة وبهذا التوقيت تحديدا الذي يمر فيه لبنان بأزمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة والعالم العربي يواجه تحديات كبيرة”.
وأضاف: “البعد الثاني يأتي في التوقيت، بعد أن خرج الكثير من أصحاب النوايا المبيتة لتحميل وتلبيس كل ما يجري وكل تحذيرات وليد جنبلاط وحرصه ومواقفه، تحليلات في غير محلها. حيث أكدت الزيارة المؤكد لناحية احترام المملكة لمواقف جنبلاط ورأيه وحيثيته المحلية والعربية، والأهم انها تؤكد على دعمها لخطواته التي قام بها تجاه تأمين فرص لتوفير حل للأزمة الحكومية القائمة او فتح باب لمعالجة الأزمة ككل في لبنان، حيث أن المملكة حريصة على قيام حكومة لبنانية قادرة على إنقاذ لبنان مما فيه”.
وتابع حديفة: “البعد الثالث وهو توقف السفير البخاري في زيارته عند رمزية المختارة بما أشار اليه تكرارا حول دورها في حماية واستقرار الجبل والوحدة اللبنانية واستقرار لبنان ككل، وفي اشارته الى رمزية احتضان المختارة لمسجد الأمير شكيب ارسلان الذي دخل وصلّى فيه، وفي كنيسة الدرّ في المختارة، بما يعنيه ذلك من صورة تجسد رمزية التنوع في لبنان من خلال مرجعية المختارة ودور وليد جنبلاط الذي يشكل امتدادا لتاريخ البيت الجنبلاطي”، لافتا الى انه خلال اللقاء كانت هناك أيضاً اشارة الى المبادرة التي أطلقتها السعودية فيما يتعلق بوقف الحرب في اليمن “وهي مبادرة مهمة جدا وفرصة أساسية يجب عدم تفويتها لانهاء هذا النزاع القائم والذي يستهدف استقرار كل المنطقة العربية”.
أسئلة كثيرة تُطرح حول الحراك الدبلوماسي الذي حط رحاله في المختارة، اضافة الى مساعي ومبادرات كل من بكركي وبري وجنبلاط واللواء عباس ابراهيم، ولكن الأهم هل سينجح ذلك كلّه في إحداث خرق ما وإنقاذ لبنان أقلّه بتشكيل حكومة تبدأ بمسيرة النهوض؟