النقابية ملوك محرز ترّد على الوزير السابق فادي عبود: تُسوّق لدعاية الإطاحة بالتعليم الرسمي

ردت النقابية ملوك محرز على مقال الوزير الأسبق فادي عبود الذي صدر في جريدة الجمهورية عدد يوم امس، معتبرة أنه يسوق لدعايةٍ جديدةٍ أشدّ فتكاً وأعتى دهاءً لتطيح بالتعليم الرسمي وتسوِّق للتعليم الخاص وتبشّر به. وقالت في ردها:

انطلاقاَ من كوني تلقيت دراستي بالمدرسة الرسمية وتخرجت من الجامعة الوطنية وكلفت بإدارة ثانوية رسمية .

سأرد على الوزير عبود بالتالي:

أن يأتي الطعن بالتعليم الرسمي من حاقد او متضرر منه فلا غرابة مطلقاً.. وأما أن يصدر من وزير ونائب سابق، فهو أمر يحمل الكثير من الغرابة والشك..

فبدايةً، وقبل الحكم بفشل التعليم الرسمي ومؤشراته، كنا نتمنى من معاليه زيارة المدارس ميدانياً لمعرفة الواقع الحقيقيّ الذي تعيشه هذه الثانويات والمدارس، بدل إطلاق النظريات الفرنسية أو الغربية من خلف الشاشات، ومحاولة إسقاطها على واقع مؤسساتنا التعليمية في هذا الواقع العصيب.

وليسمح لنا معاليه أن نلفت انتباهه، إلى أنه ربما يجهل الأرقام الحقيقية وربما الصادمة التي أنتجتها الهجرة التعليمية في السنوات الخمس الأخيرة من القطاع الخاص إلى القطاع الرسمي في التعليم، وبالمناسبة فهي أرقام موجودة في وزارة التعليم، ونحن هنا لا نكشف سراً لأحد.

وإذا كان لتأخر هذه الهجرة من أسباب، فلعل أولها هو تلك الفكرة المريضة التي سُوّقت عن التعليم الرسمي منذ سنوات طوال لضربه وتشويه، بغية تهميش دوره في إحياء العدالة الاجتماعية في التعلم لدى الطبقة الفقيرة، والتي ازداد أهلها فقراً اليوم..

نعم يا معالي الوزير ذنبنا العظيم الذي لا يغتفر أننا قاومنا تلك الأفكار الهادمة للمجتمع اللبناني، ولم نقبل بالرضوخ إلى أصحابها، بل قاومناها بتضحيات مربينا ومربياتنا بكل عزيمةٍ وصبر، حتى استطعنا ان ننتشل عقول تلاميذنا وغسلها من أدران الدونيّة والضعف الذي أغرقهم به الإعلام حيناً، والمسؤولون حيناَ آخر مع شركائهم، ممن يعتبرون وجود التعليم الرسمي عقبةً أمام جشعهم واتساع جيوبهم..

وليسمح لنا معالي الوزير عبود أن ننعش ذاكرته قليلاً التي ربما تسلل إليها شيء من النسيان بسبب الترف الذي تعيشه الطبقة الحاكمة العليّا اليوم، لذا فإننا نسأله: “أليس جُلُّ الوزراء بل الوزارة الذين تعاقبوا على وزارة التربية وغيرها من الوزارات هم من خريجي التعليم الرسمي الذي أتحفتنا بالحديث عن فشله اليوم؟

وهنا نسأل معاليه: هل يُنتج الفشل قادة الدول وساسَتها والمخطّطين لنهضتها؟

وهل نفهم يا معالي الوزير أن الدعايات السابقة التي أنتجت للتجريح بالتعليم الرسمي قد سقطت بهمة أستاذتنا الذين كشفوا زيفها، فصار من اللازم اليوم التسويق لدعايةٍ جديدةٍ أشدّ فتكاً وأعتى دهاءً لتطيح بالتعليم الرسمي وتسوِّق للتعليم الخاص وتبشّر به!؟

وإننا نريد أن نذكّر معاليك بأن دعم التعليم الرسمي بدل القضاء عليه، إنما هو عند الدول الراقية الهمّ الأكبر الذي يشغل بال ساستها، لأنهم يعرفون بأنه مفتاح كل تطور، ويقدّرون جيداً عطاء الأساتذة فيه الذين يصنعون من خلاله العقول الخارقة والمنقذة لبلدانهم في شتى المجالات..

واسمح لنا معاليك، فالتفوق عند تلامذتنا له أسبابه وأسُسُه الراسخة، فالفشل لا يولد نجاحاً، والفاشلون لا يبدعون في إنتاج العقول الناجحة، فأهم سبب لنجاح طلابنا هو تعب أساتذتهم الأكفاء في السهر على تعليمهم وتوجيههم وصناعة عقولهم رغم الاوضاع الاقتصادية السيئة التي يمرون بها، رغم ذلك استطاعوا تحقيق أفضل النتائج والشهادات العليا بين أبناء لبنان وفي الخارج، وهو ما نفتخر به بين كل المؤسسات التعليمية في أرجاء الوطن، وليس نموذج الدكتور عدنان البكري كمثال إلا دليل على تفوق أساتذة التعليم الرسمي واهتمامهم بطلبة العلم، ومؤشر راقٍ على ثمرة بذلهم وعطاءاتهم، على الرغم من واقعهم المعيشي المتردّي، ومعاشاتهم التي قضى عليها ارتفاع الأسعار وسعر صرف الدولار.

ولكن السؤال الذي يحق أن يطرحه كل مواطن في لبنان هو ما الذي تغير يا معالي الوزير بين الأمس واليوم حتى صار واقع التعليم الرسمي صعباً ومزرياً، وحتى صار الأساتذة والطلاب فيه يعيشون كل هذه الصعوبات؟

وقد كنا نأمل أن يكون الجواب على هذا السؤال هو موضوع مقالة معاليك، فالحقيقة أن المجتمعات تتطور بقادتها، وشتّان بين قادةٍ عملوا لأوطانهم ورِفعتها في السابق، ودعموا البنك المركزي بأطنان الذهب ليبنوا اقتصاداً قوياً لصمود لبنان، وبين من يفكر اليوم في تبديد هذا المخزون، غير آبه بأن يقع الهيكل على أصحابه بعد أن نخر فسادُهم كلّ المرافق.

إن الإصلاح لا يكون بالشعارات، بل بالعمل على سنّ القوانين والتشريعات التي تدعم مؤسسات الدولة وتطوّرها، بدل الخروج على أصحابها بين الحين والآخر للتهجم على تضحياتهم، وغرز خنجر تقديم المصالح الخاصة في خاصرتهم، وعلى رأسهم الأساتذة.

ولا عجب بهذه الهجمة المرتدّة الشرسة عليهم، ربما لأن قطاع التعليم الرسمي هو الوحيد الذي لم تستطع الأيادي الخفية أن تطاله بالفساد، فظل أهله قابضين على رسالتهم السامية بكل صدقٍ، ولم يُذكر اسم الفساد فيه إلا بين من ينتسبون إلى طبقة السياسيين الفاسدين.

وأخيراً، لا بد أن نذكّر معاليك وكلّ من لا زال يراهن على القطاع الخاص في شتى المجالات، بأنّ من أنقذ الوطن عند الملمّات هو القطاع الرسمي، وقد صار هذا الأمر واضحاً أمام أبناء الوطن، خاصةً عندما مات الكثيرون على أبواب المستشفيات الخاصة لعجزهم عن دفع تكاليف العلاج والكورونا، بينما احتضنتهم المستشفيات الحكومية بأقل الأسعار، وعندما تبخّرت أموال المودعين في البنوك المصرفية الخاصة واختفت مع ارتفاع الدولار، وعندما رفضت الكثير من المؤسسات التعليمية استقبال أبنائهم بعد أن قصّر الأهل عن دفع الأقساط عندما ساءت الأحوال المالية عندهم، بينما احتضنتهم المؤسسات التعليمية الرسميّة عندما نزحوا إليها بلا منّةٍ بل وبكل فخرٍ وحبّ.

Post Author: SafirAlChamal