ربما ظلم الباحثون الذين عملوا على مؤشرات ″السعادة″ في دول العالم لبنان، إذا صنفوه في المرتبة 123 لجهة سعادة مواطنيه من أصل 149 دولة، وكان الأجدى بهم أن يضعوه في ذيل القائمة أو أن يخرجوه من السباق نهائيا، خصوصا أن بلدا تحكمه سلطة سياسية غير مسؤولة، ويتنازع رئيس جمهوريته مع الرئيس المكلف بتشكيل حكومته على الحصص وعدد الوزراء والحقائب، ويفتحون حربا يرويها اللبنانيون بآلامهم ومعاناتهم لن يعرف طريق السعادة ولن يسلكها ولن يشعر بها.
يمكن القول، إن لبنان مع خمسة ملايين من أبنائه باتوا جميعهم أسرى لقاء يجمع بين ميشال عون وسعد الحريري، أو بين الحريري وجبران باسيل ليرضى بذلك عون، فإذا توافقوا في السياسة جمدوا الأزمات وتحاصصوا على حساب مصلحة اللبنانيين، وإذا إختلفوا إستثمروا في الأزمات التي تؤدي الى تدحرج الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
حتى الآن، لا يوجد بصيص أمل في إمكانية وصول الرئيسين في لقائهما الـ 18 الى قواسم مشتركة تساعد على تسهيل ولادة الحكومة التي يرى العالم أجمع أنها باتت حاجة أكثر من ملحة للانقاذ، باستثناء الرئيسين عون والحريري اللذين يتمسك كل منهما بشروطه ومطالبه من دون أن يقيم وزنا للجوع الذي بدأ يطرق أبواب اللبنانيين.
لا شك في أن النقاط التي تقدم بها الرئيس المكلف على رئيس الجمهورية بتلقف دعوته عبر وسائل الاعلام وتلبيتها وإراحة الأجواء العامة بتصريح مقتضب وهادئ ما أدى الى إنخفاض في سعر الدولار، ما لبثت أن تلاشت مع تسجيل أكثر من نقطة في رصيد الرئيس عون، بدءا من كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي صعّب المهمة على الحريري بإعادة خلط الأوراق لجهة شكل ومضمون الحكومة، وبدا داعما لتوجهات عون وحريصا على مصلحة باسيل الذي سارع الى التغريد على تويتر مشيدا ومثنيا وربما لولا الاحراج لكتب “لبيك نصرالله”..
كما نزلت زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى الرئيس عون كالصاعقة على الحريري الذي إعتبر أنها تشكل نوعا من الانقلاب الذي يُضعف موقفه تجاه صيغة حكومة الـ 18 وزيرا والتي جاء إصراره عليها إلتزاما بتوجهات جنبلاط.
أمام هذا الواقع وجد الحريري نفسه فجأة من دون غطاء ودعم حزب الله، ومن دون مؤازرة جنبلاط الذي أعلن من قصر بعبدا بأن لا مطالب له على الصعيد الدرزي، مشددا على وجوب اللجوء الى التسوية لتشكيل الحكومة.
وبالرغم من زيارة الخليلين الى بيت الوسط بحسب ما أكدت المعلومات لتوضيح موقف السيد نصرالله ورأب الصدع الذي حصل بين الحريري والحزب بعد الخطاب، وبالرغم من زيارة غازي العريضي ووائل أبو فاعور لتوضيح موقف جنبلاط الذي يبدو أن “راداراته” رصدت أن الوضع بات ملائما لطرح التسوية، وبأن الآتي الى لبنان سيكون كارثيا على كل صعيد إذا لم يتم التوافق على تشكيل الحكومة، فإن الحريري بات شبه مستفرد يتمسك بشروط لا يتبناها أحد، وحتى القيادة الفرنسية أوحت بالتخفيف منها عندما دعا المبعوث الفرنسي باتريك دوريل الى ضرورة لقاء الحريري وباسيل، لكن دعوته لم تجد طريقها نحو الترجمة الفعلية.
لذلك، فإن الحريري قد يجيب عون على كل تساؤلاته لكنه سيتمسك بشروطه (18 وزيرا من الاختصاصيين من دون ثلث معطل) مقابل إصرار عون على الثلث المعطل أو الحقائب الأمنية، ما سيفتح الباب أمام إحتمالين، فإما أن يستمر مفعول التهدئة لمواكبة تدابير مصرف لبنان تجاه لجم إرتفاع سعر الدولار ويعلن الحريري بأن الأمور تحتاج الى مزيد من الدرس على أن يُعقد اللقاء الـ 19 يوم الخميس المقبل لتصبح الحكومة كاللوتو إذا مش التنين الخميس.
أو أن يعلن بأن المشاورات وصلت الى طريق مسدود، وعندها سيكون لدى الحريري أكثر من خيار، فإما أن يعتذر ويستقيل مع كتلته من مجلس النواب ويرفع سقف المواجهة الى أقصى حد، أو يربط إعتذاره باستقالة رئيس الجمهورية تحت شعار “دخلنا معا ونخرج معا”، أو ينتقل لبنان الى “أزمة حكم” قد تطول على وقع صرخات اللبنانيين الذين قد يخرجون شاهرين سيوفهم لتأمين مقومات العيش الكريم.
مواضيع ذات صلة: