تقاطر آلاف من المواطنين من مختلف المناطق اللبنانية ومن مختلف الطوائف الى الصرح البطريركي في بكركي، دعما لمواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الوطنية الداعية الى “الحياد وإنعقاد مؤتمر دولي من أجل لبنان المنهار”، حاملين الأعلام اللبنانية وصور البطريرك الراعي، في إطار ثلاثة شعارات “بكركي لكل لبنان” “سيادة حرية إستقلال” “لبنان أولا وأخيرا”.
بعد كلمة باسم المنظمين من ماري آنج نهرا، رحب البطريرك الراعي بالحشود الشعبية وقال: “عاش لبنان واحدا موحدا، حياديا ناشطا، سيدا مستقلا، حرا قويا، مستقرا: لبنان شركة ومحبة.
أتيتم من كل لبنان، أتيتم من كل الأعمار. نساء ورجالا أتيتم، رغم أخطار كورونا، لتدعموا طرح الحياد والمؤتمر الدولي الخاص بلبنان. وبكلمة أتيتم تطلبون إنقاذ لبنان. إننا معا، نعم معا، سننقذ لبنان. شكرا لكم على محبتكم، شكرا لكل الذين نظموا اللقاء وسخوا بمالهم ووقتهم وراحتهم. تحية لكل الذين يشاركوننا من مختلف العواصم. حماكم الله جميعا من وباء كورونا وشفى كل المصابين. نقف الآن دقيقة صمت عن أرواح ضحايا هذا الوباء، وضحايا إنفجار مرفأ بيروت”.
أضاف: “جئتم لكي تدعموا المطلب بإعلان حياد لبنان الإيجابي الناشط. لا يختلف اثنان على أن خروج الدولة أو قوى لبنانية عن سياسة الحياد هو السبب الرئيس لكل أزماتنا الوطنية والحروب التي وقعت في لبنان. لقد أثبتت التجارب التاريخية، القديمة والحديثة، أن كلما انحاز البعض إلى محور إقليمي أو دولي، انقسم الشعب وعلق الدستور، وتعطلت الدولة وانتكست الصيغة اللبنانية، واندلعت الحروب. إن جوهر الكيان اللبناني المستقل هو الحياد. بل إن الهدف من إنشاء دولة لبنان الكبير هو خلق كيان حيادي في هذا الشرق يشكل صلة وصل بين شعوب المنطقة وحضاراتها، وجسر تواصل بين الشرق والغرب. واختيار نظام الحياد هو للمحافظة على دولة لبنان في كيانها الحالي الذي أساسه الإنتماء بالمواطنة لا بالدين، وميزته التعددية الثقافية والدينية، والإنفتاح على كل الدول وعدم الإنحياز. ونحن نجدد معكم الدعوة إلى اقرار حياد لبنان لكي نعطي للحياد صفة دستورية ثابتة بعدما ورد ذكره بأشكال شتى وتعابير مختلفة في وثيقة إنشاء دولة لبنان وفي خطب رؤساء الجمهورية وفي بيان حكومة الاستقلال وبيانات سائر الحكومات المتتالية وصولا إلى إعلان بعبدا في 11 حزيران 2012”.
وتابع: “وجئتم لتدعموا المطالبة بمؤتمر دولي خاص بلبنان. نحن معكم لم نطالب به إلا بعد أن بلغت كل الحلول الأخرى حائطا مسدودا، ولم نتمكن في ما بيننا من الاتفاق على مصير وطننا. حتى أن السياسيين المعنيين لم يتمكنوا من الجلوس على طاولة واحدة للتحاور وتيقنا أن كل ما طرح رفض لتبقى الفوضى، وتسقط الدولة، ويتم الاستيلاء على مقاليد السلطة. أما ان يتركوا الامور كما هي فيفتقر الشعب وتنهار الدولة فهذا ما لا نقبله. نحن نواجه حالة انقلابية بكل معنى الكلمة على مختلف ميادين الحياة العامة، حالة انقلابية على المجتمع اللبناني وعلى ما يمثله وطننا من خصوصية حضارية في هذا الشرق. وكان الإنقلاب الأول على وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها مؤتمر الطائف سنة 1989، وقد إنعقد برعاية دولية وعربية. ولكنه لم يطبق حتى اليوم بكامل نصه وروحه؛ وعدل الدستور على أساسه، فظهرت فيه ثغرات أثرت في العمق على حياة الدولة حتى أصيبت بالشلل. فلو تمكنت الجماعة السياسية عندنا من إجراء حوار مسؤول لتحصين وثيقة الوفاق الوطني، ومعالجة الثغرات في الدستور، لما طالبنا بتاتا بمؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، يساعدنا على حل العقد التي تشل المؤسسات الدستورية”.
وسأل: “ماذا نريد؟ نريد من المؤتمر الدولي أن يثبت الكيان اللبناني المعرض جديا للخطر، وأن يعيد تثبيت حدوده الدولية.
نريد من المؤتمر الدولي أن يجدد دعم النظام الديمقراطي الذي يعبر عن تمسك اللبنانيين بالحرية والعدالة والمساواة. نريد من المؤتمر الدولي إعلان حياد لبنان فلا يعود ضحية الصراعات والحروب، وأرض الانقسامات، وبالتالي يتأسس على قوة التوازن، لا على موازين القوى التي تنذر دائما بالحروب.
نريد من المؤتمر الدولي أن يتخذ جميع الإجراءات لتنفيذ القرارات الدولية المعنية بلبنان، والتي لم تنفذ أو نفذت جزئيا. فتنفيذ هذه القرارات من شأنه أن ينقذ استقلال لبنان وسيادته ويسمح للدولة اللبنانية أن تبسط سلطتها الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية من دون أي شراكة أو منافسة.
نريد من المؤتمر الدولي أن يوفر الدعم للجيش اللبناني، ليكون المدافع الوحيد عن لبنان، والقادر على استيعاب القدرات العسكرية الموجودة لدى الشعب اللبناني من خلال نظام دفاعي شرعي يمسك بقرار الحرب والسلم.
نريد من المؤتمر الدولي أن يحسم وضع خطة تنفيذية سريعة لمنع التوطين الفلسطيني ولإعادة النازحين السوريين آمنين إلى ديارهم. لا نريد من المؤتمر الدولي جيوشا ومعسكرات. لا نريد المس بكيان لبنان فهو غير قابل لإعادة النظر، وحدود لبنان غير قابلة للتعديل. شراكته المسيحية/الإسلامية غير قابلة للمس، وديمقراطيته غير قابلة للنقض. دوره غير قابل التشويه، وهويته اللبنانية غير قابلة للتزوير. إن أي تطوير للنظام، وهذه سنة التقدم، لا يجوز أن يكون على حساب ما اتفقنا عليه منذ تأسيس دولة لبنان. التطوير لا يعني النقض، بل التحسين. التطوير لا يعني إلغاء المواثيق الدستورية، بل توضيح الملتبس فيها لتتكامل السلطات الدستورية. التطوير لا يعني محو الماضي، بل تحصين الثوابت التاريخية. حقنا أن نعيش حياة كريمة في وطننا.
لقد ولدنا لنعيش في مروج السلام الدائم، لا في ساحات القتال الدائم. وجميع مشاكل الشعوب صارت قابلة للحل بالحوار والتفاوض والعلاقات السلمية. قدر الإنسان أن يخلق أصدقاء لا أعداء. وأن يحمل المحبة لا الأحقاد. ورسالة لبنان أن يكون مثال العلاقات الإنسانية السلمية. ومهما طال الوقت، لن ينجح أحد في أن يقضي على هذا اللبنان وهذه الرسالة.
لبنان الرسالة التي تحدث عنها من لبنان القديس البابا يوحنا بولس الثاني، وقداسة البابا فرنسيس الذي يولي قضية لبنان أهمية خاصة، وعبر عن ذلك في رسالتين متتاليتين وفي اتصالاته مع الدول الصديقة لدعم لبنان وعدم توفير أي مسعى لبناني أو دولي لإنقاذه، فإلى قداسة البابا فرنسيس نوجه معا تحية شكر ومحبة”.
وشدد على أن “كل ما نطرحه اليوم، من ناحية إعلان حياد لبنان وعقد مؤتمر دولي خاص به، إنما هو لتجديد وجودنا الحر والسيد والمستقل والمستقر. كل ما نطرحه هو لإحياء الدولة اللبنانية المبعثرة والمعطلة والمصادرة. حررنا الأرض، فلنحرر الدولة. فلنحررها من كل ما يعيق سلطتها وأداءها. إن عظمة حركات التحرر والمقاومة في العالم هي أن تصب في كنف الدولة وشرعيتها. وإن عظمة الدولة أن تخدم شعبها. نتساءل أين نحن من هذه العظمة؟ الدولة هي الكيان الأسمى، ولأنها كذلك لا تتقبل الدولة المحترمة الالتباس والازدواجية والاستضعاف. فلا يوجد دولتان أو دول على أرض واحدة، ولا يوجد جيشان أو جيوش في دولة واحدة. ولا يوجد شعبان أو شعوب في وطن واحد. إن أي تلاعب بهذه الثوابت يهدد وحدة الدولة”.
وقال: “نحن في هذا الصرح البطريركي نطرح مشاريع حلول لا مشاريع مشاكل. والحلول هي لكل لبنان ولكل لبناني ولبنانية. فالحل الحقيقي هو حل لكل الشعب لا لفئة منه دون سواها. ونحن اللبنانيين مدعوون إلى مقاربة الأفكار بروح إيجابية بعيدا من السلبية، بخاصة حين تصدر عن هذا الصرح البطريركي، لأننا هنا لا نفكر إلا إيجابيا، ولا نفكر إلا وطنيا، ولا نفكر إلا بكل لبناني ولبنانية. اللبنانيون جميعهم أحباؤنا. في هذا الصرح، كلف الزعماء المسيحيون والمسلمون البطريرك الياس الحويك برئاسة الوفد اللبناني إلى مؤتمر السلام في Versailles سنة 1919، والتكلم باسم جميع اللبنانيين والمطالبة بدولة لبنان الكبير. وفي هذا الصرح، عقدت الشخصيات اللبنانية المسيحية والإسلامية مؤتمرا في 25 كانون الأول 1941 حول البطريرك أنطون عريضة للمطالبة “بإستقلال لبنان التام والناجز والمضمون من الدول”.
وأردف: “إن الدم اللبناني الساري في عروقكم هو الذي قادكم اليوم عفويا بالرغم من كل الاخطار إلى هذا الصرح البطريركي بالذات، لن نخيب آمالكم.
أنتم الذين هنا، والذين هناك وراء البحار تشاركوننا هذه اللحظات عبر محطات التلفزيون. أنتم كلكم، تشكلون مصدر ثقتنا بالمستقبل. أنتم مستقبل لبنان ولبنان المستقبل. لبنان للجميع أو لا يكون، والجميع للبنان أو لن يكونوا. مجيئكم اليوم من كل مكان يجدد الأمل ويطرد الإحباط. مجيئكم يؤكد أن ما من حق يموت ووراءه مطالب ومواطنة ومواطن ومناضل ومقاوم وثائر وشعب. انني أفهم تماما صرختكم وغضبكم، وأفهم انتفاضتكم وثورتكم.
لا تسكتوا عن تعدد الولاءات، لا تسكتوا عن الفساد، لا تسكتوا عن سلب أموالكم، لا تسكتوا عن الحدود السائبة، لا تسكتوا عن خرق أجوائنا، لا تسكتوا عن فشل الطبقة السياسية، لا تسكتوا عن الخيارات الخاطئة والانحياز، لا تسكتوا عن فوضى التحقيق في جريمة المرفأ، لا تسكتوا عن تسييس القضاء، لا تسكتوا عن السلاح غير الشرعي وغير اللبناني، لا تسكتوا عن سجن الأبرياء وإطلاق المذنبين، لا تسكتوا عن التوطين الفلسطيني ودمج النازحين، لا تسكتوا عن مصادرة القرار الوطني، لا تسكتوا عن الانقلاب على الدولة والنظام، لا تسكتوا عن عدم تأليف حكومة، لا تسكتوا على عدم إجراء الإصلاحات، ولا تسكتوا عن نسيان الشهداء. شهداؤنا ذخيرة وجودنا الروحي والوطني. وويل لمن ينسى شهداءه ويقايض عليهم” .
وختم الراعي: “لبنان شعب وليس أفرادا، وأنتم، أنتم شعب لبنان. أنتم لبنان بما يمثل من رسالة وقيم وروح، ومن تعددية ثقافية ودينية. والبطريرك لا يفرق بين لبناني وآخر، لأن التضامن أساس وحدتنا، ووحدتنا في لبنان واحد هو مشروعنا التاريخي.
أيها الأحباء، الآتون من مختلف المناطق اللبنانية ومن مختلف الطوائف والأحزاب، يجمعنا لون واحد هو لبنان، إليه ننتمي بالمواطنة وليس بالدين، اي لبنان الدولة المدنية الفاصلة بين الدين والدولة فلنحافظ عليه. فلبنان فخرنا وإعتزازنا بما يمثل من درة ثمينة، وجسر ثقافي وحضاري وإنساني بين الشرق والغرب على ضفة المتوسط” .