كتبت “الاخبار”: عملياً، يريد الرئيس المكلف سعد الحريري «منع» رئيس الجمهورية ميشال عون من التدخل في تأليف الحكومة. في تشكيلته الوزارية الأولى التي سلّمها لعون في 16 تشرين الثاني الماضي، وحصلت «الأخبار» على نسخة منها، سمّى سبعة وزراء مسيحيين والوزراء السنّة وطلب من رئيس الجمهورية اختيار واحد من ثلاثة أسماء للداخلية يطرحها هو، فيما ترك تسمية الوزراء الشيعة والوزير الدرزي للثنائي الشيعي والنائب السابق وليد جنبلاط.
وتضمّنت الأسماء الآتية: فراس أبيض (سنّي) لوزارة الصحة، ناصر ياسين (سنّي) للشؤون الاجتماعية والمهجرين، هانية شهّال (سنية) للزراعة والبيئة، لين طحيني (مارونية) للثقافة والاعلام، هنري عويط (ماروني) للتربية والتعليم العالي، شارل الحج/ سليم إده (ماروني) للاتصالات، سعادة الشامي (روم) للاقتصاد، جو صدّي (روم) للطاقة والمياه، فايز الحاج شاهين (كاثوليك) للعدل، غارييد هاروتونيان (أرمن) للصناعة.
هذه التشكيلة لم تتضمّن أياً من الأسماء التي روّجت وسائل إعلام 14 آذار في اليومين الماضيين بأن الرئيس المكلف ضمّنها تشكيلته بناءً على «لائحة عون»، باستثناء اسم واحد هو سعادة الشامي وزيراً للاقتصاد، فيما تضمّنت أسماء سبعة وزراء مسيحيين (3 موارنة، 2 روم، 1 كاثوليك، 1 أرمن) لم يسمّ رئيس الجمهورية أياً منهم. والجدير بالذكر أن هذه النسخة قدّمها الحريري لعون في وقت كانت لا تزال الثقة موجودة بينهما، وكان الأول يؤكّد للثاني أن لرئيس الجمهورية أن يسمي الوزراء المسيحيين.
أكثر من ذلك، فإن «التشكيلة» التي يفترض أنها من «18 حقيبة» هي فعلياً من 11 حقيبة، إذ إنها خلت من أي اسم شيعي، فتُركت خانات أسماء أربعة وزراء لخمس وزارات (المال والعمل والأشغال والتنمية الإدارية مع الشباب والرياضة) من الحصة الشيعية خالية من أي اسم، وكذلك خانة اسم الوزير الدرزي المرشح لتولي حقيبة الخارجية. وهذا ما يناقض كلام الحريري عن انه وحده من يسمّي كل وزراء حكومته، إذ من الواضح أنه ينتظر أن يسمّي كل من حزب الله وحركة أمل والنائب السابق وليد جنبلاط أسماء وزرائهم، في وقت يريد هو أن يسمي سبعة وزراء مسيحيين من أصل تسعة اللافت في التشكيلة أيضاً حسم الحريري تسمية فايز الحاج شاهين لوزارة العدل، فيما أبقى حقيبتي الدفاع مع المهجرين والداخلية والبلديات من دون أسماء، واضعاً إشارتي x أمامهما، ومقترحاً على رئيس الجمهورية أن يسمّي وزيرين لهما، على أن يحظيا بموافقة الرئيس المكلف.
إشارة الـ x وُضعت أيضاً أمام اسم الشامي الذي انتقاه الحريري من «لائحة عون»، ما يشير الى أن الرئيس المكلّف يعتبر أن ما ينطبق على الاقتصاد ينطبق على الدفاع والداخلية لناحية أن تكونا من حصة الرئيس، وهو ما عاد وتراجع عنه، مصرّاً على أن تكون الداخلية والعدل من حصته، طالباً أن يختار رئيس الجمهورية للداخلية واحداً من بين ثلاثة أسماء يتقدم بها هو.
التشكيلات الأخرى التي قدّمها الحريري بقيت ضمن هذه السقوف مع تغيير طرأ على بعض الأسماء فيها، ولكن دائماً مع التمسك بالعدل والداخلية، ومع الاصرار على تسمية الحريري قسماً مُعتبراً من الوزراء المسيحيين.
مصادر مطلعة أكّدت لـ«الأخبار» أن ما سلّمه رئيس الجمهورية للرئيس المكلف كان عبارة عن «ورقة خرطوش» من ضمن عملية «عصف الأفكار» بينهما.
وبالتالي «لم تكن هذه لائحة ليختار منها الحريري وزراء، بل أسماء يرى فيها رئيس الجمهورية كفاءات للتوزير، بدليل أنه سمّى مسيحياً للمال مع علمه بالتوافق مع الثنائي الشيعي على أن تكون هذه الوزارة من حصة الشيعة، وبدليل أيضاً تسميته أكثر من وزير ومن طوائف مختلفة لكل من الوزارات».
وأكّدت أن الحريري هو من طلب هذه اللائحة للاستئناس بها، «وأُعطيت له بناء على الثقة التي كانت لا تزال موجودة بينه وبين الرئيس». ولكن، «مع الافتراض جدلاً بأن هذه كانت لائحة للاختيار، فإن اللافت أن الحريري لم يختر منها إلا اسماً واحداً (سعادة الشامي).
كما أن الواضح أنه لا يتعامل وفق معيار موحّد مع الأفرقاء المختلفين. ففي وقت يسمي غالبية الوزراء المسيحيين، يمتنع عن تسمية أي وزير شيعي أو الوزير الدرزي قبل الاتفاق مع الثنائي الشيعي وجنبلاط».
وهذا ما ترى فيه مصادر بعبدا «ضرباً للشراكة الدستورية بين رئيسي الجمهورية والحكومة»؛ إذ إن الحريري يريد المحاصصة، ولكن «على قاعدة ما قبل عودة العماد عون من المنفى واستعادة الشراكة، أي المناصفة الشكلية».
وهو ما عكسته «الزلّة الفرويدية» بالتذكير بـ«وقف العدّ». وفي هذا، بحسب المصادر، «مناصفة شكلية، إذ يريد الحريري فعلياً أن يسمّي غالبية الوزراء المسيحيين، وأن يوافق على من يترك لرئيس الجمهورية تسميتهم، فيما ممنوع على الأخير أن يبدي رأياً في اختيار أي وزير من الطوائف الأخرى… وهنا يكمن جوهر المشكلة».
المصدر: الأخبار
مواضيع ذات صلة: