في وقت يصارع فيه اللبنانيون باللحم الحي للصمود امام مختلف الازمات التي تعصف بهم صحياً، مالياً، اقتصادياً ومعيشياً، لا يزال اهل الحكم والمكلفين تشكيل الحكومة في صراع على الحصص تجلّت آخر فصوله في حرب البيانات على جبهتي بعبدا – بيت الوسط وبعبدا – عين التينة.
ففيما يتصرف اهل السلطة وكأن لديهم الوقت الكافي لتشكيل الحكومة، مستغلين ان الدستور اللبناني لم يحدد مهلة لاعلان التشكيلة الحكومية، يبدو ان البلاد تذهب نحو مزيد من الانهيار وما احداث طرابلس الاسبوع الماضي والتداعيات الناتجة عنها سوى عيّنة مما قد تشهده البلاد في حال استمر الفراغ الحكومي.
ليس خافياً على احد ان ازمة ثقة عميقة بين بعبدا وبيت الوسط تتهدد مصير تشكيل الحكومة. الى ذلك، لا يبدو حتى الساعة أن اياً من المساعي المبذولة من مختلف الاطراف تلقى آذاناً صاغية من المعنيين. فلا نداءات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لاقت تجاوباً، ولا جهود المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم وصلت الى خواتيمها السعيدة، ولا حتى محرّكات عين التينة التي انطلقت في مبادرتها من نقطة حل الخلاف على وزارتي الداخلية والعدل نجحت في مسعاها.
وفي وقت بدأ فيه الرئيس المكلف سعد الحريري جولة عربية تشمل مصر والامارات العربية المتحدة، على ان يزور بعدها فرنسا، في محاولة منه لاستمالة الدعم الخليجي من اجل تشكيل الحكومة، تستمر الدول الغربية في تذكير اللبنانيين بأنه لا مساعدات ولا قروض قبل تشكيل حكومة اختصاصيين تقوم بالاصلاحات اللازمة.
الى ذلك، اشارت مصادر مطلعة على عملية التأليف، الى ان هناك توجهاً لدى الادارة الفرنسية في التسويق لحكومة من 20 وزيراً بدل 18 تكون مؤلفة من 6 وزراء سياسيين و14 وزيراً من اصحاب الاختصاص. الا ان هذا الطرح الذي قد يرضي العهد ليس معلوماً ما اذا كان سيلاقي استحساناً لدى الرئيس المكلف الذي تعتبر مصادر مقربة منه ان هذه الحكومة لدى تشكيلها ستكون حكومة مهمة هدفها العمل على انقاذ البلاد من الازمات التي تتخبط بها وتطبيق الاصلاحات اللازمة لاستعادة الدعم الخارجي، وبالتالي يجب ان تكون من الاختصاصيين.
وفي الاقتصاد كما في السياسة، فعلى قاعدة “مكانك راوح”، لم يبادر المعنيون حتى الساعة للالتفات الى الاوضاع المعيشية المتردية للمواطنين. بل وجدوا الاقفال العام حجة للاستمرار في رفع اسعار المحروقات، ناهيك عن توقيع وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال راوول نعمة قرار رفع سعر ربطة الخبز بحجة ارنفاع اسعار القمح عالمياً، الى الموازنة العامة للعام 2021 وما حملت في طياتها من ضرائب واجحاف يطال موظفي القطاع العام، الى الارتفاع الجنوني في الاسعار وفقدان عدد كبير من المواد الغذائية الاساسية والادوية من الاسواق ليتبين فيما بعد انه اما يجري تهريبها الى الخارج لبيعها بضعف سعرها أو يتم تخزينها في المستودعات لبيعها في السوق السوداء.
اذاً،هي البلاد تتخبط في مخاض عسير وسط غيبوبة شبه كاملة لاهل السلطة والمعنيين. وحدها الآمال معلقة على المبادرة الفرنسية كمخرج وحيد للازمة الراهنة. فهل ينجح الضغط الخارجي في تشكيل حكومة جديدة ام ان تصريف الاعمال سيستمرّ حتى نهاية العهد؟.
مواضيع ذات صلة: