اعتبرت مجموعة الأزمات الدولية أن أعمال الشغب الأخيرة التي وقعت في مدينة طرابلس شمال لبنان، هي مؤشر جديد على بوادر انهيار الدولة.
وبحسب تقديرات للأمم المتحدة عام 2015، يعاني 26 في المئة من سكان طرابلس وحدها من فقر مدقع، ويعيش 57 في المئة عند خط الفقر أو دونه. إلا أن هذه النسب ارتفعت على الأرجح مع فقدان كثيرين وظائفهم أو جزءا من مدخولهم على وقع الانهيار الاقتصادي، الأسوأ في تاريخ لبنان.
وشهد الشارع اللبناني في 25 يناير احتجاجات في مناطق عدة اعتراضاً على تمديد قرار الإغلاق العام الذي أعلنته الحكومة حتى الثامن من فبراير، رغم وعود الحكومة بالتعويض على “العاملين اليومين” ودعم العائلات الأكثر فقراً بمخصصات مالية.
وتخلل الاحتجاجات في طرابلس مواجهات عنيفة بين المتظاهرين من جهة والقوى الأمنية والجيش اللبناني من جهة أخرى.
وأضرم بعض المحتجين النيران في مقر البلدية وخربوا مبنى المحكمة الدينية ومباني حكومية ورموا قنابل يدوية على قوات الأمن.
وبحلول 31 يناير كانت الحصيلة قتيل وأكثر من 400 جريح من المتظاهرين و40 جريحا من الشرطة والجيش. واعتقلت وحدات الجيش والمخابرات اللبنانية 25 شابا على الأقل لدورهم في الأحداث.
وتقول مجموعة الأزمات إنه “يجب على شركاء لبنان الدوليين مواصلة الضغط على نخبته الحاكمة لحل الأزمات، ومضاعفة المساعدات الإنسانية للسكان اليائسين بشكل متزايد”.
وكان السبب المباشر للاحتجاجات في طرابلس الإغلاق الذي فرضته الحكومة المؤقتة في لبنان بسبب ارتفاع إصابات كورونا.
وبسبب قيود الإغلاق هذه أصبح العديد من الناس غير قادرين على إعالة أنفسهم وعائلاتهم، وهذه الإجراءات ليست إلا حلقة جديدة من سلسلة مشاكل تواجه لبنان.
ومنذ 2019 فقد نحو 500 ألف شخص أعمالهم ووظائفهم، وفقا للمجموعة، وانخفضت قيمة العملة المحلية بأكثر من 80 في المئة بالسوق السوداء، مما أدى إلى زيادة التضخم.
وفقد الناس المليارات من المدخرات، ووفقا للبنك الدولي فإن أكثر من نصف اللبنانيين أصبحوا تحت خط الفقر بالفعل في مايو 2020.
ويقدر المسؤولون الحكوميون أن حوالي 75 في المئة من المواطنين اللبنانيين بحاجة إلى المساعدة، إضافة إلى أكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في البلاد، يحتاج ما يصل إلى 90 في المئة منهم إلى مساعدات إنسانية ونقدية، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتقول المجموعة إن طرابلس ومحيطها من أفقر المناطق في لبنان، لكن المعاناة تزداد سوءا في جميع أنحاء البلاد، وفي أفعالهم وردودهم، ربما قدم المتظاهرون ومثيرو الشغب في المدينة “صورة لما ينتظر لبنان في الأشهر المقبلة”.
وخلال مقابلات أجرتها المجموعة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أعرب مسؤولون لبنانيون ونشطاء أحزاب سياسية وضباط أمنيون وممثلون عن منظمات غير حكومية عن مخاوف مماثلة.
وحذرت المجموعة من أنه “إذا استمر الانحدار الاقتصادي بالهبوط، أو أدت تدابير تقشف جديدة مثل خفض الدعم عن السلع إلى زيادة الضغوط الاجتماعية، فقد يتزعزع الاستقرار في البلاد بشكل خطير”.
سيلتزم الجيش بمهامه، لكن في نهاية المطاف هؤلاء الجنود هم أبناء مجتمعهم وبيئتهم
ومن بين التحديات التي يواجهها لبنان، الضغط على مؤسسات الدولة وتآكلها، حيث يقلل التضخم من قيمة رواتب القطاع العام و”تختفي الخدمات الروتينية” تماما.
وتكافح قوات الأمن التي يبلغ تعدادها أكثر من 130 ألف عنصر للحفاظ على النظام ومنع العنف وحماية الممتلكات، وقد يجدون أنفسهم يوما ما في مواجهة فشل الدولة، وفقا للمجموعة.
وأوضحت أن “عناصر الأمن لا يعوضون غياب الساسة والحكام من خلال ضبط الأشخاص الذين يشاركونهم مظالمهم أصلا”، ولمنع تدهور الوضع الأمني، يجب على الأحزاب السياسية وأصحاب النفوذ وكبار رجال الأعمال سد هذه الفجوة.
وتضيف المجموعة أن “الجيش اللبناني تحت الضغط، وقد يفقد قريبا بريقه كواحد من أكثر المؤسسات العامة حيادية وأقل حزبية في لبنان”.
ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى فتح تحقيق في حالة الوفاة التي سجلتها طرابلس بسبب الاحتجاجات، وقالت الباحثة بالمنظمة آية مجذوب “الحكومة أهملت احتياجات أهل طرابلس واستخدمت القوة الغاشمة عندما طالبوا بحياة أفضل”.
وحثت منظمة العفو الدولية، الأسبوع الفائت، باريس على تعليق تصدير أسلحة حفظ النظام إلى بيروت ما لم تتعهد باستخدامها بما يتماشى مع القانون الدولي، مؤكدة أن أجهزة الأمن اللبنانية استخدمت أسلحة فرنسية الصنع لقمع متظاهرين سلميين.
ومثل موظفي الخدمة المدنية والمعلمين وعناصر الشرطة، يتقاضى الجنود اليوم رواتب أصبحت قيمتها متدنية عما كانت عليه قبل عام بسبب انهيار سعر صرف العملة، وأصبحت رواتبهم تعادل 150 دولارا شهريا، وفقا للمجموعة.
الضباط قلقون
ويعبر كبار الضباط عن قلقهم بشأن مستقبلهم الشخصي والمؤسسي، وقال أحدهم للمجموعة “سيلتزم الجيش بمهامه، لكن في نهاية المطاف هؤلاء الجنود هم أبناء مجتمعهم وبيئتهم”.
ويضيف الضابط “أبناء وبنات الكثير من الضباط يدرسون في الخارج ونحن لا نستطيع دفع الرسوم الدراسية بعد الآن”.
منذ انفجار مرفأ بيروت الكارثي قبل 6 أشهر لم تشكل حكومة إلى الآن
وتؤكد المجموعة أنه “لا ينبغي توقع أي راحة من السياسيين”. فبعد ستة أشهر من الانفجار الكارثي في ميناء بيروت الذي أسقط الحكومة السابقة، ما زال يتعين عليهم تشكيل حكومة جديدة.
وتوضح المجموعة أن هناك “إصلاحات أساسية مطلوبة لإطلاق العنان للمساعدات والمبادرات الدولية لخلق فرص للتنمية والاستثمار في لبنان”.
ومن المرجح أن تتصرف النخب السياسية “كما فعلت في الماضي”، تقول المجموعة، وتتابع: “سيقومون بشراء الوقت بأموال ليست ملكهم، وسيوزعون المنافع بشكل ضيق على أنصارهم ومؤيديهم، وسيعملون على إنقاذ النظام الذي يبقيهم في السلطة”.
وتتوقع المجموعة أنه “من غير المحتمل أن يعود القادة اللبنانيون إلى رشدهم أو أن تكون هناك حكومة فاعلة، وستقف في طريقهم المصالح الخاصة والمحاصصات”.
وفي غضون ذلك لا يزال الشركاء الخارجيون مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول العربية مصممون على حجب المساعدات غير الإنسانية، ما لم يتخذ القادة اللبنانيون خطوات لمكافحة الهدر والفساد وفقا للمجموعة.
وتقول المجموعة “إنهم محقون في فعل ذلك، ولن ينجو لبنان من مأزقه إلا إذا غيرت نخبته السياسية سلوكها”.
وحتى ذلك الحين يجب على شركاء لبنان الخارجيين مضاعفة جهودهم لمنع انهيار الدولة، ويجب إعلان حالة طوارئ إنسانية.
وفي 30 يناير الماضي، وقع البنك الدولي اتفاقية مع حكومة تصريف الأعمال للحصول على قرض بقيمة 246 مليون دولار لتقديم مساعدة نقدية لنحو 800 ألف من أفقر اللبنانيين.
ويجب على المانحين الدوليين زيادة التمويل للأغراض الإنسانية وأن يهدفوا للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين بشكل مباشر. ويجب على شركاء لبنان الخارجيين أيضا التفكير في تعميق تعاونهم مع الأجهزة الأمنية لتعزيز الاستقرار، بحسب مجموعة الأزمات.
المصدر: الحرة
مواضيع ذات صلة: