ما ان أعلن موعد انتخابات الاتحادات الرياضية قبل بضعة اشهر، حتى انكب الطامحون لتبوء مناصب ادارية بعالم الرياضة إلى عقد اللقاءات الانتخابية غير آبهين لخطر الإصابة بفيروس كورونا أو نقلها لأحبائهم وعيالهم.
انكب هؤلاء المرشحون نحو اجراء الاتصالات والتخطيط والعمل ليلًا نهارًا لجذب صوت من هنا ومرشح لينضم على اللائحة من هناك. كان العمل متواصلا، ساعات النوم كانت شبه معدومة، وإن حصلت سرقة، منها “كرسي الاتحاد” كامل الأحلام.
ذلك الاندفاع احدث انطباعا إيجابيا وبعث الأمل لدى جميع الرياضيين ومحبي الرياضة بأن الإداريين الذين سينتخبون مجددا لإدارة الاتحادات الرياضية لديهم نخوة وشجاعة واندفاعا لم يشهده عالم الرياضة بتاريخ لبنان وربما الكون كله من قبل.
من منا شهد من قبل على مرشحي هيئات ادارية للاتحادات الرياضية يندفعون لخدمة الرياضة وألعابها حتى الموت؟ تحدي الكورونا وخطر الموت لم ينته عند الحملات الانتخابية وزيارات الأندية الناخبة يومياً، فبالإضافة إلى ذلك تمسك القيمون على الاتحادات بإجراء الانتخابات وعدم تأجيلها على الرغم من الخطر الصحي.
انتهت انتخابات الاتحادات الرياضية على خير وعلى عكس الكورونا. وحتى الآن حصدت الكورونا أكثر من ألفيّ ضحية بلبنان وقطعت انفاس البشر حول العالم، أما على مستوى الرياضة اللبنانية فكانت “الكورونا” بمثابة النفس الأخير للاتحادات، والأوكسيجين المنقذ لها. كيف كان ذلك؟
أثناء انتخابات الاتحادات الرياضية لاحظ جميع الرياضيين والمحاضرين الرياضيين الفعليين ذوي اختصاص (sports management) أن جميع الاتحادات الرياضية تم انتخابها او “تركيب” تزكيتها على أسس طائفية ومحاصصة سياسية بحتة غير مرتكزة على أي مشروع مستقبلي او خطط عمل فعلية وتطويرية كما يجب أن يكون الحال عام 2021. و ما ان انتهت هذه الانتخابات حتى انفضح المستور ودخلت اللجان الإدارية للاتحادات بموت سريري: لا رؤية لتنظيم بطولات، لا خطة عمل تتحدى الوضع الاقتصادي والصحي ولا حتى اجتماعات للهيئات الإدارية سوى الإجتماع الأول بعد الإنتخابات وعلى ما يبدو انه الأهم و الذي يطلق عليه إسم “إجتماع توزيع المناصب”. حصل هذا الاجتماع على الطريقة اللبنانية فعلاً ففي معظم الاتحادات رأينا انتخاب أكثر من نائب للرئيس ووصل العدد لأربعة نواب رئيس في بعضها. ما يعني أن جلسة توزيع المناصب كانت جلسة “تقسيم الجبنة” كثرت فيها المناصب والقتيل واحد هو الرياضة.
مناصب على مد العين والنظر، بالجملة وبالمفرق: نواب رئيس، رئيس فخري، امين عام، أمين سر، نائب لأمين السر، محاسب، امين صندوق، رئيس لجنة منتخبات، مدير لجنة منتخبات، رئيس لجنة اعلام، رئيس لجنة فنية، مدير لجنة فنية، مدير اتحاد، مدير اتحاد تنفيذي، مدير لجنة حكام، مدير لجنة أهالي إلخ… وزعت في الجلسات ألقاب تقريبا على جميع أعضاء الهيئات الإدارية للاتحادات. تحقق أول هدف وأصبح لمعظم هؤلاء الأعضاء لقب ملفت للسمع لدى المجتمع اللبناني في المناسبات الاجتماعية و بين الأصحاب (غير الرياضيين) والسهرات القروية.
انتهت الانتخابات، انتهت جلسة توزيع المناصب و بدأت الجلسة الأخيرة. هذه الجلسة كانت على مواقع التواصل، فالحمدالله معظم هذه الاتحادات تشكو من ميزانياتها القليلة ومن دعم الدولة الزهيد، ومعظمها تعاني من قطع حساب سلبي. وعلى الرغم من ذلك معظم هذه الاتحادات لديها إعلاميين يتقاضون رواتب ثابتة مصرح عليها بالبيانات المالية وبعضها الآخر يتقاضى أجر “براني” ليكتب ويمدح وينسب اليها إنجازات من المفترض أن تكون رياضية ولكنها بواقع الحال تنتهي بمقالات شبيهة لحكايات الأساطير.
هنا، وفي هذه الجلسة قام غالبية الأعضاء الجدد وعيالهم بال share لهذه المقالات وبدأت حفلة الـlike و الـ comments من أولاد الحي، الجيران، الأقارب، وأصدقاء الطفولة. كثرت هذه المقالات والأهضم كان أحدها بعنوان “كوتا نسائية من ٤ أعضاء داخل الإتحاد” محاولًا الكاتب التحدث عن “إنجاز”.
نحن لسنا ضد وجود 4 نساء داخل الهيئة الإدارية ونتمنى وجود عدد أكبر. لكن يا لسخرية القدر و الإنجازات الوهمية، فالمقال يتغنى بـ كوتة أعضاء بينما الإتحاد لا يملك منتخب للسيدات وعدد المشاركات ببطولاته المحلية بفئات الناشئين والسيدات قليل جدا. فما هو الأهم، عدد اللاعبات أو كوتا الأعضاء؟
بعد تلك الجلسات انتهى الاندفاع. لا اجتماعات، لا تحديد موعد للبطولات، لا تحضير للمنتخبات، لا خطط لتحدي الوضع المالي الصعب الذي يمر به البلد و لا حتى لوضع خطط استثنائية لمعاودة البطولات والنشاطات بظل جائحة كورونا. بل سكون، وهدوء تام لا تحركات لا اتصالات ولا اجتماعات ولو حتى على التطبيقات الإلكترونية.
و بما ان الفشل في التحضير هو تحضير للفشل، خيبة أمل كبيرة كانت أصابت الرياضيين الذين إستبشروا خيراً في اندفاع المرشحين قبيل الانتخابات، فجاء الاقفال العام ومعه الكورونا القاتل، كنفس أخير لتلك اللجان الادارية لعل القيميين عليها يستغلون هذا الاقفال والوقت المتاح لفعل ما كان من المفترض عليهم ان يفعلوه منذ البداية وهو الإنكباب نحو وضع خطة عمل قريبة و بعيدة المدى، لنشر وتطوير ألعابهم.