ما قدّم نفسه يومًا إلّا مؤمنا بالعليّ، لاهجّا بحمده وشكره. له كان يعمل بمجانيّة، وسعي مبرور، وعطاء مشكور، وبابتسامة تشير إلى قلبه الطافح بعِبَرِ الالتزام القلبيّ بربّ العالمين، وبخدمة من كان لهم سندًا وكتفًا؛ ترجمة لصلاته التي لم تنقطع يومًا، طمعًا في بركات ورضى وسكينة حياة.
كانت رفقته تجول في مفاصل الإيمان الحيّ، ولا تحول عن انفتاح محبّ وروية نفس وهدأة عقل. كم سعدت حين قدمت كتابه “مدخل إلى فقه النعمة” في خلية مسجد صلاح الدين الأيوبي في بلدة النخلة مع العميد هاشم الأيوبي إذ بادرني بعد الندوة بترحاب فكري ما عهدته إلّا عند مستنيرين أتقياء أنقياء يتقبّلون الكلمة التي إن أوحت أفاضت النعم باسم العلي، تأتي منه وتعود إليه لأنًا قوم بطّالون ولكننا نصون الذهب السماويّ الموضوع قي آنيتنا الفخاريّة المعطوبة شهادة لربّ العالمين.
كم هاتفني للوقوف على مضمون إنجيلي في مسرى بحثه عن الجوامع التي آمن بها في التزام عميق لإسلامه الروحيّ وإيمانه الوثيق. كم تحاورنا والتقينا وما اختلفنا لأنّ محبته تخطًت الفوارق كلّها إلى القلب الذي إن تنزّل المولى فيه كلمته أحياه بنعمة النبض، فلا يتفرّق المعتصمون بحبل الله تعالى، ولا يتشردون.
واكب الحراك الثقافي في المدينة لاستنهاض قدرة المدينة المنكوبة فاشتغل على منصّات تراثها الحضاريّ وعلومها لتبقى الفيحاء واسطة عقد المدن تاريخًا وفكرًا وحضورًا.
أذكر يوم اشتغلنا معًا لمؤتمر جامعيّ في المغرب، فأعدّ ورقة في بعض مفاهيم الفكر الإسلاميّ، وأعددت ورقة في بعض مفاهيم الفكر المسيحيً، وجاءت الورقتان في عمقهما، كعمق انتمائنا المتجذّر إلى طرابلس، ورقة واحدة، لأنّ القلم الطرابلسيّ المشحون بتراث المدينة الحضاريّ لا يستطيع إلّا أن يكون كقامة عبد الإله ميقاتي قاطعًا باستقامة كلمة الحقّ.
كثيرة هي النشاطات التي أطلقها وعملنا عليها مع كوكبة من مفكري طرابلس وعلمائها كما كانت مختبرات التكنولوجيا العلميّة مسعاه العلميّ لأنّه قرأ الآتي بعين ثاقبة، فرأى في الخدمة المطلوبة مدرسة وجامعة ومعاهد فنّية ومؤسسات أهليّة، وتحقّقت رؤياه لمجتمع طرابلس والجوار.
كتب أحبته في رحيله كلمات، ولكنه وحده اختصر حياته بكلمة واحدة مؤمنة راضية مسبّحة في كلّ آن. كان عبدا للإله، ولكنّ العبودية لله تعالى حريّة وحقّ. بهذه الحريّة أدرك مبتغاه وهو الآن ينعم بالنّور ويسبح في نهر من البلّور في حضرة من هو الحقّ والطريق والحياة.