أعادت نتائج اللقاء الـ14 بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، أول من أمس، الأوضاع إلى ما كانت عليه منذ أول لقاء بينهما إثر تكليف الأخير تأليف الحكومة في 22 تشرين الأول الماضي، بعدما اتضح أنّ كلّ ما جرى في اللقاءات الـ13 السابقة كان، سياسياً، مضيعة للوقت من جهة، ومن جهة أخرى محاولة من كلّ منهما لشرائه.
وكان أهمّ ما يمكن الخروج به من اللقاءين الأخيرين بين عون والحريري، أنّ الكلام المتفائل والمصطنع الذي خيّم على أجواء اللقاء الـ13 بينهما يوم الثلاثاء الماضي، قد محاه التراشق السّياسي بين نوّاب ومسؤولي التيّارين البرتقالي والأزرق، بعد دقائق من إنتهاء اللقاء الـ14 بين عون والحريري في اليوم التالي، وسط أفق مسدود على كلّ الصعد، ومعالم إنهيار متسارع بدأت تلوح في الأفق القريب.
فقد كشفت خلاصة اللقاءات الـ14 بين عون والحريري أنّ التباعد بينهما كبير، وأنّ حجم الهوّة في رؤية كلّ منهما لتشكيلة الحكومة المقبلة واسعة جدّاً، وأنّ أحدهما يريد تأليف الحكومة بشروطه التي تتعارض حكماً مع شروط الآخر، وسط انعدام نقاط الإلتقاء بينهما، وقبل كل شيّىء يبدو أنّ الثقة بينهما تكاد تكون معدومة تماماً.
كل ذلك لا يلغي أبداً التدخّلات الخارجية التي عملت على عرقلة تأليف الحكومة، وخصوصاً التدخّلات الأميركية، بعدما بات واضحاً أنّ الإدارة الأميركية تعارض أيّ مشاركة لحزب الله في الحكومة المقبلة، ولأبرز حلفائه التيّار الوطني الحرّ بعد فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على رئيسه النائب جبران باسيل، وهما شرطان لا يبدو الحريري قادراً على تلبيتهما، فكان المخرج برمي كلّ طرف منهم تعطيل تأليف الحكومة على الآخر، بانتظار ظروف أفضل قد تسمح بالتوصل إلى تسوية تفسح في المجال أمام ولادة الحكومة.
هذه الظروف الأفضل يبدو أنّ جميع الفرقاء اللبنانيين المعنيين بتأليف الحكومة قد سلّموا أنّها لن تأتي قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مفاتيح البيت الأبيض من سلفه، الرئيس الحالي دونالد ترامب، في 20 كانون الثاني المقبل، وبعد أن تتضح معالم سياسات بايدن الخارجية، وتحديداً بما يخصّ ملفات الشرق الأوسط ومنها لبنان، كي يبني أهل السلطة في لبنان على تلك السّياسة مقتضاها.
ومع معرفة جميع الفرقاء السّياسيين أنّ بايدن لن يتطرق إلى ملف لبنان في اليوم التالي لتسلمه مهامه، وأنّ ملفات أخرى أكثر أهمية في المنطقة تنتظره سوف يقدمها ويقاربها على حساب لبنان، وأنّ وقتاً طويلاً سيمرّ قبل أن يوضع الملف اللبناني على طاولته في البيت الأبيض، فيبدو أن السّياسيين اللبنانيين قد نفضوا أيديهم ورفعوا المسؤولية عن أنفسهم، بانتظار قدر خارجي لم يملكوا يوماً القدرة إلا على التسليم به والإذعان له، من غير أن يُكلّفوا أنفسهم عناء تحمّل الحدّ الأدنى من مسؤولياتهم، بعدما أوصلت سياستهم لبنان إلى حافة الإنهيار، والإنزلاق به نحو قعر لا قرار له.
مواضيع ذات صلة: