سلكت مبادرة الفاتيكان التي قادها البطريرك الماروني بشارة الراعي طريق المبادرة الفرنسية لجهة الفشل في تشكيل الحكومة اللبنانية التي باتت تتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم، والايجابية والسلبية، وكأن هناك في كل مرة من يهيئ الأجواء للتوافق في لقاءات بعبدا تمهيدا لتصاعد الدخان الأبيض، ثم يأتي من ينسفها بالكامل ليعيد النقاش الحكومي الى المربع الأول.
يبدو واضحا أن اللقاء الـ 14 الذي عقد بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، قد أقفل الباب على مرحلة الشهرين الماضيين، وضرب موعدا بعد رأس السنة، للبحث من جديد في شكل الحكومة ومضمونها، خصوصا أن ما تلا اللقاء من حرب مصادر بين بيت الوسط وجبران باسيل تضمنت إتهامات لامست الخطوط الحمر، ومن تغريدات نارية بين نواب من التيار الوطني الحر وآخرين من المستقبل لم تخل من عبارات نابية، من شأنها أن تصعّب من الولادة الحكومية المنتظرة وأن تقود اللبنانيين الى مزيد من الأزمات وصولا الى الهلاك أمام مرأى المعطلين.
لم تعد الحكومة المنتظرة هي حكومة “المهمة” التي طلبها الرئيس إيمانويل ماكرون للقيام بالاصلاحات المطلوبة ولفترة ستة أشهر، بل ثمة قناعة لدى كل الأطراف بأن الحكومة المقبلة هي الأخيرة في عهد ميشال عون والتي ستواجه الاستحقاقات لا سيما الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية، أو ربما تواجه الفراغ الرئاسي الذي قد يفرض نفسه بفعل تعذر إنتخاب رئيس جديد للبلاد، لذلك فإن الرئيس عون وفريقه الاستشاري يتطلعان الى ضمانات من خلال الحصول على الثلث المعطل وعلى الوزارات الأمنية والعدلية بهدف تثبيت حضور جبران باسيل في المعادلة السياسية المقبلة ومنع سعد الحريري من أن يكون الحاكم بأمره في حال حصل الفراغ الرئاسي.
مع إسقاط البطريرك الراعي “الثلث المعطل” بإعلانه عن عدم تمسك الرئيس عون به، طلب رئيس الجمهورية الحصول على وزارات الدفاع والداخلية والعدل كبديل عن الثلث المعطل، لكن طلبه إصطدم برفض الرئيس الحريري الذي عبر بطريقة غير مباشرة بأنه هو من يمثل الدولة، وأن تلك الوزارات من المفترض أن توزع بالتساوي بين الرئيسين (الدفاع لعون والعدل للحريري والداخلية بالتوافق بين الرجلين).
موقف الحريري والايجابية التي أشاعها بعد اللقاء الـ 13 أزعج باسيل الذي نجح بحسب المصادر في تغيير موقف عون في اللقاء الـ14 فعاد الى مطلبه الأول في الحصول على الثلث المعطل والوزارات الثلاث، ما دفع الحريري لدى خروجه الى تحييد عون وتحميل باسيل مسؤولية التعطيل.
وتشير هذه المصادر الى أنه لا يمكن للحريري أن يسلم الوزارات الثلاث الى الرئيس عون لأن ذلك قد يؤدي الى الخراب، خصوصا أن التجارب كلها غير مشجعة لجهة محاولات فريق العهد تسييس القضاء وفبركة الملفات، أما المرحلة المقبلة فستكون حبلى بالملفات القضائية من التحقيق الجنائي الى ملف تفجير المرفأ وغيرها، وبالتالي فإن أي تسييس أو إستنسابية أو فبركات من أجل تصفية الحسابات سيؤدي الى ما لا يُحمد عقباه، لذلك فإن أي بحث جديد في الملف الحكومي مع الحريري سينطلق من إسقاط الثلث المعطل ورفض جمع الوزارات الأمنية والعدلية بيد فريق سياسي واحد، ما ينذر بكباش سياسي من العيار الثقيل بين الحريري باسيل.
لا شك في أن لعبة “الغميضة” الحكومية هي إنعكاس لارادة قوى كبرى لا تريد تأليف الحكومة وهي أطاحت حتى الآن بالمبادرتين الفاتيكانية والفرنسية، وترى مصادر أن من بين هذه القوى حزب الله الذي يتطلع الى شروط أفضل مع دخول جو بايدن الى البيت الأبيض وإستئناف المفاوضات الأميركية ـ الايرانية، لكن مصادر أخرى ترفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلا وتؤكد أن حزب الله هو صاحب مصلحة حقيقية في ولادة الحكومة، وهو يحرص على الاستقرار في لبنان وعلى عدم الانجرار الى الفوضى أو الانفلات الأمني، فالحزب بالرغم من قوته الاقليمية، إلا أنه ضعيف تجاه التوازنات الداخلية وتجاه إمكانية إغراقه في الرمال اللبنانية المتحركة في حال أصاب الخلل هذه التوازنات.
وترى مصادر متابعة أن كل المحاولات الرامية الى تشكيل الحكومة، تصطدم برفض أميركي يرفع سيف العقوبات، ويعمل على حصار حزب الله الى أبعد الحدود، ويمنع عون من الحكم بإغراق عهده بالفراغ الحكومي وبالتالي إقناع أكثرية اللبنانيين بأن رئاسة عون تساوي إنعدام الأمل بلبنان، ويبدو بحسب تلك المصادر أن من أرسى هذه المعادلة ما يزال قادرا على حمايتها ما يعني أن لبنان مقبل على أزمات إضافية ستمهد للحظة الانفجار الكبير.
أمام هذا الواقع، ترى مصادر سياسية أن التجاذبات وتسجيل النقاط لا تبني الأوطان، وأن المطلوب من الجميع الارتقاء الى المسؤولية الوطنية العليا، والخروج من من النظرة السياسية الضيقة الى رحاب العمل الوطني المسؤول، وطالما أن المعادلة الوطنية غائبة، لا حكومة ولا أمل في لبنان.
مواضيع ذات صلة: