لم يخرج الدّخان الأبيض من قصر بعبدا يوم أمس، إيذاناً بولادة الحكومة المرتقبة بعد اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، إذ برغم أجواء تفاؤل ″باردة″ خيّمت على اللقاء فإن المراوحة بقيت مسيطرة، وكان تأجيل تشكيل الحكومة الحاضر الأبرز.
اللقاء وُصف بأنّه ″مفصليّ″، لأنّه يأتي بعد مساعٍ كبيرة قامت بها كلّ من البطريركية المارونية وفرنسا بهدف تذليل العقد، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي عمل أيضاً في هذا الإطار، فضلاً عن مساعٍ قيل إنّ حزب الله بذلها لهذه الغاية، بعدما طلب عون من الحريري حصول اللقاء، ما أعطى إشارة أنّ لديه ما يقوله للرئيس المُكلّف بما يتعلق بتاليف الحكومة العتيدة، بعد آخر لقاء جمعهما، في 9 كانون الأول الجاري، واتضح بعده أنّ الهوّة بينهما كبيرة، بعدما قدّم الحريري مسودة “تشكيلة” إلى عون، وردّ الأخير بتقديم “طرح” حول آلية التشكيل.
أجواء التفاؤل الباردة والحذرة هذه سرعان ما عبّرت عن نفسها من خلال تسريبات ذهبت في التفاؤل بعيداً، بعدما رأت مصادر متابعة مقربة من عون أنّ ″الأجواء هذه المرّة جدّية أكثر من أيّ مرّة″، بينما وصفت مصادر مطلعة اللقاء بـ″الإيجابي″، لافتة إلى أنّ ″الأمور جدية، وأنّه في حال تمّ تذليل العقبات قد يصار إلى تأليف حكومة في غضون اليومين المقبلين″.
أجواء التفاؤل هذه التي هبطت فجأة، وكأنّها ترجمة لـ”كلمة سرّ” ما وصلت إلى المعنيين، واكبتها جهود مضنية بذلت في الأيّام القليلة الماضية، رجّحت أن تصدر مراسيم التأليف قبل موعد عيد الميلاد يوم الجمعة المقبل، وهو ما أشار إليه الحريري بوضوح، في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي في أعقاب اللقاء، حيث توقّع “الخروج بصيغة حكومية قبل الميلاد”.
هذه الأجواء الإيجابية عبّر عنها بيان الحريري بوضوح عندما حدّد اليوم موعداً لعقد لقاء آخر بينه وبين عون، سيكون الـ14 بينهما منذ تكليف الحريري تأليف الحكومة في 22 تشرين الأوّل الماضي، وأنّ لقاء اليوم لن يكون الأخير بل إنّ “اللقاءات ستكون متتالية”، وفق ما قال بيان الحريري، في إشارة إلى أنّ ثمّة عقبات وتفاصيل أخرى تستدعي عقد أكثر من لقاء إذا ما أراد الفرقاء المعنيون ولادة الحكومة.
غير أنّ بيان الحريري حمل عبارة مقلقة توقف عندها كثيرون، وهي عندما كشف أنّه لن يعلن عن “وقت (اللقاء) لأسباب أمنية”، ما أثار تساؤلات ومخاوف حول إن كان لدى الرئيسين معلومات أمنية خطيرة تستدعي عدم الإعلان عن توقيت لقائهما، كونه أمر غير مسبوق، ولم يحصل سوى في ذروة التوتر الأمني الذي شهده لبنان خلال سنوات الحرب الأهلية أو التوتر الأمني، وأنّهما إستشعرا الخطر المحدق فلم يتردّدا في تقديم تنازلات من شأنها أن تسهم في تسهيل تأليف الحكومة.
هذه المخاوف دفعت مراقبون للتساؤل إن كانت ستسهم في حلحلة العقد التي أخّرت تأليف الحكومة حتى الآن، وهل تمّ التوصل إلى صيغة توافقية قدّم فيها الطرفان تنازلات عدّة، مثل عدم تمسّك عون وفريقه السياسي بالثلث المعطل مقابل تراجع الحريري عن صيغة التشكيلة التي قدّمها إلى عون في لقائهما الأخير وإدخال تعديلات عليها، على أن تناقش بقية التفاصيل لاحقاً، وسط خشية جدّية أن تكمن الشياطين في التفاصيل وتطيح أجواء التفاؤل بعيداً.
مواضيع ذات صلة: