انشغل الرأي العام اللبناني، أمس، بجريمة مروّعة ذهب ضحيتها المواطن جوزف بجاني بواسطة مسدس كاتم للصوت، من قبل مسلّحين مجهولين أمام منزله في منطقة الكحالة في قضاء عالية في جبل لبنان، بينما كان يهم لنقل أولاده إلى المدرسة.
ومنذ أن وقعت الجريمة، ترددت معلومات عن أن المغدور الذي يعمل موظفاً في شركة اتصالات، وهو يعمل راهناً في مجال التصوير Freelance، شهد عبر عدسة كاميرته على ما حصل في الرابع من أغسطس/آب في بيروت يوم انفجار المرفأ، إذ التقط صوراً ربما تُساهم في كشف خيوط كارثة المرفأ، فتمّت تصفيته جسدياً.
التصفية بسبب صور عن المرفأ
وما يؤكد فرضية التصفية بسبب صور عن انفجار مرفأ بيروت ما كشفته معلومات مستقاة من مصادر عدة من بلدته الكحالة تحدّثوا لـ”العربية.نت”، أجمعت على أن المغدور بجاني كان من بين أول المصوّرين الذين وصلوا إلى المرفأ بعد الانفجار مباشرة، حيث اتّخذ صوراً عدة لمسرح الجريمة قد تكون “حصرية”، وتحتوي على “خيوط” قد تقود إلى كشف ملابسات مأساة 4 أغسطس”. وأكدت المصادر “أن الجناة وبعد تنفيذ الجريمة أخذوا هاتفه وكاميرته”.
وأجمعت المصادر على “أن لا أعداء للمغدور ما يُبعد فرضية القتل لدوافع شخصية. فهو شخص محبوب وتربطه علاقات طيّبة بمعظم أهالي بلدته”.
حرفية عالية بتنفيذ الجريمة
ولعل ما يفتح باب التساؤلات حول خلفيات الجريمة، الحرفية العالية التي تمّت فيها، حيث ظهر في فيديو كاميرا مراقبة أن شخصين سارعا إلى مباغتة المغدور داخل سيارته بعدما كان يستعدّ لنقل بناته إلى المدرسة، وأطلقوا عليه ثلاث رصاصات من مسدس كاتم للصوت، قبل أن يفرّا بكل “برودة أعصاب” إلى طريق فرعي في البلدة بعد أن أنجزا المهمة، حيث استقلا درّاجة نارية بعدما كان يتواجد في محيط مكان الجريمة قرابة العشرة أشخاص يتولّون عملية المراقبة كما أفادت المعلومات.
لا يعمل عند الجيش
وفي حين، نفت مصادر عسكرية لـ”العربية.نت” المعلومات التي أشارت إلى أن المغدور كان وثّق أدلة مع محققين أميركيين وفرنسيين حول انفجار بيروت”، أكدت “أن المغدور لا يعمل لدى قيادة الجيش، وربما كان إلى جانب مصوّرين آخرين توجّهوا إلى منطقة المرفأ عقب الانفجار من أجل التقاط صور، وكانت الفوضى تعمّ المكان، لكن مع وصول الجيش الذي ضرب طوقاً أمنياً حول مكان الانفجار، طُلب من كل الأشخاص المتواجدين في المكان المغادرة حرصاً على أمنهم”.
التحقيقات مستمرة
وحرصت المصادر العسكرية على التأكيد على “أن التحقيقات بالجريمة متواصلة حتى كشف الجناة”.
الهجرة إلى كندا
وكان جوزف بجاني (36 عاماً) الأب لطفلتين يستعدّ بحسب روايات أهالي بلدته للهجرة إلى كندا، بعد حصوله منذ أيام على التأشيرات المناسبة. وأكدت أرملته في مداخلة تلفزيونية أنها مصممة على الرحيل بعد الجريمة التي استهدفت زوجها.
جرائم متنقّلة
ومنذ كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي، تزايد أعداد الجرائم “المشبوهة” التي يبدو أنها على صلة بكارثة المرفأ. حيث عُثر في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري على العقيد المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي الذي تولّى مسؤولية مكافحة التهريب في الجمارك، جثة في منزله الجبلي بعدما تعرّض لضربات على رأسه.
وسبقه في مارس/آذار 2017، زميله العقيد جوزف سكاف، المسؤول السابق في الجمارك الذي كان أوّل من حذّر من وجود نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت.
وتوفي أيضاً بظروف غامضة، حيث ورد تقريران متناقضان لطبيبين شرعيين، أحدهما أشار إلى أن الوفاة طبيعية، أما الثاني فأكد أن هناك من يقف خلف مقتل العقيد، خصوصاً بعد وجود كدمات برأسه.
مقتل قبطان سفينة
ومن بين هذه الجرائم “الغامضة” بتوقيتها وعلاقتها بانفجار المرفأ، ما أشارت إليه مصادر مطّلعة لـ”العربية.نت” حول وفاة “مشبوهة” لسائق يخوت في ميناء جونيه التي تقع شمال بيروت في محافظة جبل لبنان، وذلك قبل يوم واحد من مقتل جوزف بجاني.
وبحسب المصادر، فإن شخصاً يُدعى (إ.ص) البالغ من العمر 36 عاماً توفي بحادث “مشبوه” لا يختلف بطبيعته عن جريمة قتل العقيد أبو رجيلي”.
ولفتت المصادر إلى “أن القبطان (إ.ص) كان يقود يوم 4 أغسطس/آب يختاً كان يرسو في عرض البحر على مقربة من مرفأ بيروت، وربما كان يملك معطيات حول ما حصل هناك في تلك اللحظة”.
تعليق التحقيقات بانفجار المرفأ
وتأتي هذه الجرائم التي يبدو أنها مرتبطة بجريمة تفجير مرفأ بيروت في وقت علّق المحقق العدلي في القضية، فادي صوان، التحقيقات لعشرة أيام بعدما تقدم وزيران سابقان ادّعى عليهما بمذكرة يطلبان فيها نقل الدعوى إلى قاض آخر.
وكان صوان ادّعى في العاشر من ديسمبر/ على رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسّان دياب، وثلاثة وزراء سابقين، هم وزير المالية السابق، علي حسن خليل، ووزيرا الأشغال السابقان غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، إلا أن أحدا منهم لم يمثل أمامه في جلسات حددها لاستجوابهم كمدعى عليهم.
وبحسب مصادر قضائية تحدّثت لـ”العربية.نت” فإن طلب تغيير المحقق العدلي ستبتّه محكمة التمييز الجزائية قبل انتهاء مهلة العشرة أيام. وأمامها عدة خيارات من بينها الركون إلى صفة “عدم الاختصاص”، باعتبار أن القاضي فادي صوان تم تعيينه من قبل وزيرة العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، وبالتالي فإن تعيين بديل عنه ليس من صلاحية محكمة التمييز وإنما وزيرة العدل والمجلس الأعلى للدفاع”.
المحقق العدلي لن يتنحى
إلا أن المصادر القضائية حرصت على التأكيد على “أن القاضي صوان لن يتنحّى عن قضية المرفأ رغم الضغوط التي يتعرّض لها، وهو ماضٍ بها حتى النهاية، وهو اليوم يعدّ ملاحظاته حول طلب تنحّيه عن القضية ضمن مهلة العشرة أيام”.