لم يحد رئيس الجمهورية ميشال عون عن المسار الذي مشي عليه أغلب من سبقوه في منصب الرئاسة الأولى في الثلث الأخير من فترة ولايتهم الرئاسية، سواء منذ الإستقلال عام 1943، أو بعد انتهاء الحرب الأهلية وبدء تطبيق إتفاق الطائف عام 1989، بعدما جرت العادة أن تطبع الأزمات السّياسية المختلفة الثلث الأخير من أيّ عهد بطابعها، إلا من استثناءات نادرة لا تلغي القاعدة.
بدأت سبحة الأزمات الرئاسية في ثلثها الأخير مع الرئيس الأول بعد الإستقلال بشارة الخوري، الذي كانت السنوات الثلاث التي مدّدت ولايته المنتهية عام 1949 مضطربة، والأمر ذاته إمتد إلى خلفه الرئيس كميل شمعون الذي غادر منصبه على وقع ثورة عام 1958، بينما كان الرئيس فؤاد شهاب إستثناء؛ فمع اقتراب نهاية ولايته حاول مقربون منه إقناعه بالتمديد لنفسه، نظراً لإنجازات كثيرة تحققت في عهده وقبول شعبي واسع لهذا التمديد، لكنّه رفض، مفسحاً في المجال أمام الرئيس شارل حلو عام 1964، الذي كان إنقسام البلاد السياسي في عهده مدخلاً لتوقيع إتفاق القاهرة في عام 1969، على وقع هزيمة العرب أمام كيان العدو الإسرائيلي عام 1967، وبدء مسلسل الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان، والذي لم ينته حتى اليوم.
بدوره الرئيس سليمان فرنجية شهد الثلث الأخير من عهده إندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وهو خشية الفراغ الذي كان يلوح في الأفق في منصب الرئاسة الأولى عمل على تقريب موعد إنتخاب خلفه الرئيس إلياس سركيس أشهراً، والأخير الذي اتصف عهده بإدارة الأزمة اللبنانية، شهدت السنة الأخيرة من عهده إجتياح العدو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وصولاً إلى بيروت واحتلالها على وقع مجارز صبرا وشاتيلا.
الرئيس أمين الجميل، الذي وصل إلى الرئاسة الأولى بعد اغتيال شقيقه بشير الجميل بعد 22 يومأ على انتخابه بفضل الدبّابات الإسرائيلية التي احتلت بيروت، شهد عهده ذروة الأزمات غير المسبوقة في الثلث الأخير من عهده؛ فبعد اغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي في 1 حزيران 1987، شهدت البلاد شللاً على مختلف الصعد، وانقساماً أدى إلى تعذّر إنتخاب خلف للجميل في منصبه، الأمر الذي دفعه إلى تشكيل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش حينها ميشال عون، عام 1988، تنازعت السلطة مع حكومة الرئيس سليم الحص الذي تسلم رئاسة الحكومة بالتكليف بعد اغتيال كرامي.
قرابة 13 شهراً بعدها ساد الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، وهي فترة شهدت بدورها حروباً وتطورات دراماتيكية مع التوصّل إلى اتفاق الطائف، أثمر في النهاية إنتخاب إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية عام 1989، بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض إثر 17 يوماً على انتخابه، ثم التمديد له 3 سنوات عام 1995، شهدت إستقراراً سياسياً بفضل الوجود السوري في لبنان، قبل انتخاب الرئيس إميل لحود عام 1998، لكن التمديد له فترة 3 سنوات عام 2004 لم يكتب لها إستقراراً كما ساد عهد الهراوي، بل على العكس تماماً، على خلفية إغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري عام 2005 وانسحاب القوات السورية العاملة في لبنان عامها، تاركاً خلفه منصب الرئاسة الأولى شاغراً نحو 6 أشهر قبل أن ينجح إتفاق الدوحة في تسوية أفضت إلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان عام 2008، الذي غادر منصبه عام 2014 على وقع أزمات ملتهبة شهدها لبنان والمنطقة، جعلت منصب رئاسة الجمهورية شاغراً نحو سنتين وخمسة أشهر، إلى حين أفضت تسوية رئاسية في إيصال الرئيس ميشال عون إلى منصب الرئاسة الأولى في 31 تشرين الأول عام 2016.
منذ شهرين دخل لبنان الثلث الأخير من عهد عون، وهو ثلث بدأت معالم إضطرابه وعدم إستقراره مسبقاً، من الحراك الشّعبي 17 تشرين الأول عام 2019، إلى انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار واضطراب نقدي وإجتماعي غير مسبوق، وأزمة سياسية معقدة جعلت إمكانية تأليف حكومة مقبلة صعبة للغاية، إلى حدّ بات كثيرون يتوقعون منذ اليوم أن تستمر حكومة الرئيس حسّان دياب المستقيلة في تصريف الأعمال حتى نهاية عهد عون عام 2022، وحتى ما بعده، وأن لا يستطيع الرئيس المكلّف سعد الحريري على تأليف حكومته، وازدياد الوضع بؤساً وتدهوراً وانقساماً في البلاد على كلّ الصعد.
كلّ ذلك يدفع للسؤال: هل هي لعنة الثلث الأخير من كلّ ولاية رئاسية، أم لعنة رئاسة الجمهورية، أم لعنة وطن وكيان هجين لم يستطع تدعيم ركائزه منذ ولادته قبل 100 عام، وأنّ مستقبله ومصيره في السنوات المقبلة لا يٌبشّر بأن يكون أفضل من أعوامه الماضية؟
مواضيع ذات صلة:
-
إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد