قبل أيّام قليلة من موعد الزيارة الثالثة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان نهاية هذا العام، منذ زيارته الأولى في أعقاب إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، خرج وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بتصريح عكس فيه نبرة تشاؤمية حيال الوضع في لبنان، واحتمال أن يخرج من أزماته قريباً، وخصوصاً أزمة تأليف الحكومة المقبلة، التي ما تزال جهود تشكيلها عرضة للتجاذبات منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تأليفها في 22 تشرين الأول الماضي.
فرئيس الديبلوماسية الفرنسية شبّه الوضع في لبنان بسفينة “تيتانيك” لكن من دون الأوركسترا، مضيفاً أنّ “اللبنانيين في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى الموسيقى”، في إشارة منه إلى أنّ أوركسترا تيتانيك إستمرت في العزف لأطول فترة ممكنة حتى غرقت السفينة في المحيط الأطلسي في عام 1912، في محاولة لمساعدة الركّاب على الهدوء وسط الهلاك الوشيك الذي أودى بحياة كلّ الموسيقيين في نهاية الأمر.
لكنّ هذا التصريح التشاؤمي للوزير الفرنسي حيال لبنان، ليس الأول من نوعه، ففي 27 آب الماضي حذّر لودريان في تصريح بالغ الدلالة بأنّ لبنان “يواجه خطر الزوال، إذا لم تطبق السلطات اللبنانية الإصلاحات”، بسبب تقاعس النخبة السّياسية عن تشكيل حكومة جديدة، تقوم بتنفيذ إصلاحات عاجلة وحاسمة للبلاد، وداعياً السلطات إلى أن “يفعلوا ذلك بسرعة”.
إثر ذلك بيوم واحد، وبعد عودته من بيروت، حذًر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه “إذا تخلينا عن لبنان في المنطقة وتركناه بطريقة ما في أيدي قوى إقليمية فاسدة، فستندلع حرب أهلية”، وسيؤدي ذلك، برأيه، إلى “تقويض الهوية اللبنانية”، بعدما كان ماكرون قد نبّه، بعد زيارته الأولى إلى بيروت في 6 آب الماضي، من أنه “إذا لم يتم تنفيذ الإصلاحات فإنّ لبنان سيستمر في الغرق”، محمّلاً السلطات اللبنانية “مسؤولية تاريخية” في الأزمة الحالية، وهي برأيه “أزمة سياسية وأخلاقية وإقتصادية ومالية، ضحيتها أولاً اللبنانيين”.
ما سبق يعطي بوضوح إشارات متعدّدة إلى محاولات يائسة قام بها الفرنسيون لإنقاذ البلد من الوقوع في الهاوية، ومنع انهياره، أو تأخير ذلك قدر الإمكان، ما جعلهم لاحقاً ينفضون أيديهم تدريجياً من الملف اللبناني، ولو لم يعلنوا ذلك مباشرة، غير أنّ إشارتين أعطتا إنطباع بوجود هذا التوجه لدى الفرنسيين بعدما باتت مبادرتهم “شبه ميتة” بعد عرقلتها داخلياً من أكثر من طرف، وخارجياً على يد الأميركيين تحديداّ.
الإشارة الأولى هي إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون أنّ زيارته المقبلة إلى لبنان أواخر هذا الشهر ستخصص لزيارة القوة الفرنسية العاملة في اليونفيل في جنوب لبنان، وبأنّه لن يلتقي أحداً من المسؤوليين اللبنانيين إذاّ لم تشكل الحكومة خلال هذه الفترة.
أمّا الإشارة الثانية فكانت في القرار الذي أعلنته وكالة التنمية الفرنسية، قبل أيام، بـ”إيقاف عملها في لبنان”، مبرّرة ذلك بأنّه “لم يعد بإمكانها تقديم قروض للبنان الذي عجز عن تسديد ديونه”، لافتة إلى أنّ “وكالة التنمية الفرنسية هي بمثابة البنوك الدولية التي لا يمكنها تقديم قروض لبلد لم يسدّد دينه”.
مواضيع ذات صلة:
-
إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد