لا بد بداية من التنويه ان هذا الاتفاق الذي وقع سنة 1916، كان بالاصل ثلاثيا، اذ كان يضم الروسي سازانوف الى جانب الفرنسي بيكو والانكليزي سايكس.
ولكن دخول روسيا في حرب اهلية بعد انتصار الثورة البوليفية في خريف 1917 سمح للاطراف الاخرى باستبعادها من حصة تقاسم الولايات التابعة للسلطنة العثمانية.
للتوضيح، فان حصة الروس كانت الحصول على اسطنبول ومناطق اخرى من تركيا نفسها.
من جهة اخرى فان الاتفاق كان ينص على ان فرنسا تضم شمال العراق وشمال فلسطين الى نفوذها.
ولكن الانكليز “غدروا بها ولَم يعطوها هذه المناطق.
وامام “نق” واصرار الفرنسيين عمد الانكليز الى ارضاء فرنسا باعطائها
حصة 23 بالمئة من اسهم شركة نفط العراق.
ما يذكره المؤرخون الجديون هو ان الانكليز كانوا ينظروا دائما بدونية الى الفرنسيين وكانوا غير مقتنعين بأن لفرنسا الحق بهذه المناطق، ولذا استمر الانكليز بالتلاعب والتدخل بشوؤن سوريا ولبنان، حتى اتت الفرصة المناسبة وحصول هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية واحتلال المانيا لباريس وقسم كبير من الاراضي الفرنسية.
فسارعت بريطانيا الى دعم مطالب الاستقلال في سوريا ولبنان واجبرت فرنسا على اعطاء هذه الدول استقلالها مع تقاسم للنفوذ مع فرنسا في هذه الدول.
هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية كانت وبالا عليها، اذ ان دول المغرب العربي بادرت الى طلب الاستقلال مع دعم قوي من مصر والجماهير العربية، وكانت هزيمة فرنسا منكرة عندما اضطرت الى مغادرة الجزائر بعد جهاد عظيم من الشعب الجزائري، وكذلك خرجت من تونس والمغرب.
اذا خسرت فرنسا المناطق العربية المطلة على المتوسط، وتراجع تقييمها على المستوى الدولي
وواجهت حملة اميركية لترويضها واخضاعها، وقد كانت استقالة الجنرال ديغول اعلانا صارخا لانتصار ما يسمى بالخط الاطلسي في فرنسا.
اذن يجب ملاحظة قضية مهمة، وهي ان بريطانيا خرجت غير مهزومة من الحرب العالمية الثانية وفرنسا مهزومة.
غير ان اميركا قررت الاعتراف بدور الاتحاد السوفياتي كخصم لها وقررت تقاسم النفوذ في العالم معه بدل التحالف مع بريطانيا وفرنسا ضده.
وراحت تسعى لوراثة النفوذ الاستعماري البريطاني والفرنسي، ففرضت على بريطانيا الانسحاب العسكري من الخليج وكذلك فرضت عليها وعلى فرنسا الانسحاب من مصر بعد حرب السويس سنة 56.
الان تغير الوضع العالمي وظهرت الصين كقوة عظمى تهدد اميركا وكذلك عادت روسيا لتطالب بدور الشريك مع اميركا، وظهرت قوى متوسطة تطالب بحقوقها، منها تركيا وايران والهند والبرازيل وجنوب افريقيا.
ما يهمنا هنا هو عودة تركيا الى المسرح الدولي وخاصة الشرق متوسطي وكذلك بروز القوة الايرانية وامتداد حلفها الى العراق وسوريا واليمن ولبنان .
نحن امام تبلور موازين قوى دولية واقليمية جديدة، وهناك صراع شديد على اعادة تقاسم النفوذ، والكل ينتظر ان يمد نفوذه.
في لبنان ازمة نظام عاجز عن القيام بالاصلاحات الضرورية لانقاذ البلد، خاصة بعد ان شهد لبنان حالة غير مسبوقة في العالم وفِي التاريخ الحديث، وهي امتناع المصارف عن اعطاء المودعين اموالهم.
الى ان جاءت حادثة تفجير المرفأ، وجرى استغلال التفجير من كل حدب وصوب، ولَم تبق دولة والا تدخلت في شأن البلد تحت حجة المساعدة الانسانية، وما نلاحظه ان فرنسا، وبشخص رئيسها نفسه عمدت الى استغلال الحادث لاعادة تنصيب نفسها الحاكم الفعلي للبلد تحت حجة ان لبنان بحاجة لمساعدتها واذا لم ينفذ مطالبها فان البلد سينهار.
اذن انها بوضوح دعوة صريحة الى القبول بالوصاية الفرنسية.
ولكن هل يقبل القسم الاكبر من الشعب اللبناني هذا الامر.؟ وهل تقبل بقية الدول العظمى والاقليمية؟..
الجواب الاكيد ان الامر ليس سهلا، لان لا احد يتنازل مجانا هذه الايام، خاصة وان لبنان على حدود فلسطين المحتلة ومصير الصراع العربي الصهيوني يتحدد الجزء الرئيسي منه انطلاقا من لبنان.
علما، ان الصراع الفرنسي التركي على مجمل شرقي المتوسط ذاهب باتجاه التصعيد، ولا يبدو في الافق حلا له.
خلاصة:
ان اتفاقية سايكس بيكو قد اكل عليها الزمن، مع تغير موازين القوى الدولية والاقليمية وسقوط المعادلات التي حكمت المعمورة بعد الحرب العالمية الاولى، وعودة روسيا وتركيا وايران الى دور القوى المؤثرة في المنطقة.
واكاد اقول منذ هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية.
ان بلاد المشرق العربي وكذلك بلاد المغرب لها اصحابها ولن ترضى بعودة اي وصاية عليها.
والمؤسف ان فرنسا ما زالت تفكر بالعقلية “النيو كولونيالية” ونحن ندعوها الى التفكير بعقلية الصداقة المتوازنة والمصالح المشتركة.
سايكس بيكو سازانوف مات
ولَم يبق غير دفنه.