تقدمت أزمة الاستدعاءات القضائية المتعلقة بجريمة إنفجار مرفأ بيروت، على أزمة تأليف الحكومة، فأعطيت الثانية إجازة قسرية الى حين أن تأخذ الأولى التي عادت الى العمل دورها في التوتير السياسي والشحن الطائفي والخطر الأمني الذي يتضاعف يوما بعد يوم ويفتح الباب أمام المتربصين شرا بالبلاد.
بات واضحا أن لا حكومة قبل الأعياد أو في العام 2020، وأن زيارة إيمانويل ماكرون الثالثة الى لبنان لن تكون “ثابتة”، وأن برنامجها الممتد على مدار يومين سيعبّر عن مدى الغضب الفرنسي على السلطة السياسية، حيث تشير المعلومات الى أن الرئيس الفرنسي سيمضي يومه الأول مع الكتيبة الفرنسية العاملة ضمن قوات اليونيفل، على أن يقوم بزيارة “رفع عتب” الى رئيس الجمهورية ميشال عون في اليوم الثاني، ثم يلتقي ممثلين عن المجتمع المدني ووفودا من المتضررين من إنفجار بيروت، ثم يغادر لبنان تاركا وراءه سلطة سياسية تتخبط في خلافات حالت دون تشكيل حكومة تنقذ لبنان.
ربما إقتنع اللبنانيون أن “دود الخل منه وفيه”، وأن السلطة السياسية هي نفسها لا تريد تشكيل حكومة، فرئيس الجمهورية ميشال عون يريد تطويع الرئيس المكلف بتشكيلة حكومية من “بنات أفكار” جبران باسيل بهدف إحراجه بالتنازلات أو إخراجه بالاعتذار، والى أن يحين ذلك يحاول عون فرض مجلس رئاسي يتمثل بالمجلس الأعلى للدفاع الذي يعقد برئاسته، ليحل مكان الحكومة.
في حين يبدو أن الرئيس سعد الحريري يتهيب تشكيل حكومة ستنفجر كل الملفات في وجهها دفعة واحدة، لذلك فإنه يفضل أن تتخذ حكومة تصريف الأعمال قرارات “ترشيد الدعم” والتدابير القاسية التي قد تؤدي الى إنفجار الشارع، ثم يأتي بعد ذلك على رأس حكومة لمواجهة تداعيات هذه القرارات مدعوما بالمساعدات الموعودة.
في ظل الفراغ الذي تشهده البلاد، والانهيار الاقتصادي والمالي والانكشاف الأمني الذي يتخوف كثيرون من أن يترجم إستهدافات أمنية دفعت الرئيس حسان دياب الى مغادرة السراي الحكومي الى منزله، عادت الطائفية المقيتة لتكشف عن وجهها وتهدد البلاد بطولها وعرضها بحرب أهلية، إنطلاقا من محاولة إستهداف رئاسة الحكومة بالادعاء على الرئيس حسان دياب، وما تلاه من مواقف حادة بعضها يرسم الخطوط الحمر حول موقع الرئاسة الثالثة، وبعضها الآخر يدعو الى أن تشمل الادعاءات الجميع، ويؤكد أن القاصي والداني بات يعلم مسؤولية رئيس الجمهورية الذي قرأ التقارير التي تتحدث عن نيترات الأمونيوم منذ 21 تموز 2020 ولم يعلن حالة طوارئ لذلك، علما أن ليس من صلاحية المحقق العدلي الادعاء على الرؤساء، وما قام به بحسب حقوقيين “ليس دستوريا”.
تشير المعطيات الى أن الادعاء على الرئيس دياب جاء إنطلاقا من أمرين:
الأول أن الذين جاؤوا به الى رئاسة الحكومة تعاملوا معه على القطعة فإذا نفذ توجهاتهم دعموه، وإذا غرد منفردا إستهدفوه، وهو مؤخرا رفض تفعيل حكومة تصريف الأعمال فأزعج العهد وولي العهد فكان العقاب بالادعاء، وهو أمر بات معروفا بالنسبة للعهد الذي يستخدم القضاء لتصفية حسابات سياسية.
والثاني إستهداف رئاسة الحكومة التي تشكل صلاحياتها الواسعة وفق إتفاق الطائف، هاجسا كبيرا للعهد وتياره السياسي الذي دأب منذ وصول ميشال عون الى سدة الرئاسة على محاولات لمصادرة هذه الصلاحيات والقيام بممارسات تخالف الدستور وفرض أعراف تتناقض مع إتفاق الطائف.
واللافت أنه بعد الادعاء على الرئيس دياب، علت الأصوات الداعية الى ضرورة أن يكون الجميع تحت سقف القضاء، بالرغم من عدم دستورية الادعاء على رئيس الحكومة، واللافت أكثر، أن البطريرك الماروني بشارة الراعي قدم في عظة الأحد خارطة طريق في إحترام القضاء والتسليم لعدالته، في حين أنه في وقت لم يمر عليه الزمن تصدى الراعي للقضاء عندما دافع عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأوحى بأنه خط أحمر، وعندما نصح قائد الجيش السابق جان قهوجي بعدم المثول أمام المحكمة العسكرية!.
مواضيع ذات صلة:
-
هل تم ″تكبير حجر″ التدقيق الجنائي المالي كي لا يصيب أحدا؟!… غسان ريفي
-
هل يطلق الرئيس عون النار على عهده؟… غسان ريفي
-
هل أنهى تكليف الحريري الثورة؟… غسان ريفي