لم يكن ينقص طرابلس سوى فارس سعيد وبعض الطامحين الى منصب هنا أو مكسب هناك، لكي يتسلقوا على ظهر ثورتها بعنوان سياسي مذهبي فتنوي في غير أوانه، يحمل مؤشرات خطيرة جدا لا سيما في هذه الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية البالغة الصعوبة.
في غمرة تعثر تشكيل الحكومة، وتنامي الخطاب الطائفي على خلفيات سياسية وقضائية، والامعان في ضرب وخرق الدستور اللبناني، ومحاولة مصادرة صلاحيات رئاسة الحكومة والاخلال بالتوازنات، ومع قرب رفع الدعم عن المواد الأساسية وما قد ينتح عنه من ثورة جياع، وفي ظل جنون الدولار وتوحش الفقر وإستبداد البطالة، لم يجد فارس سعيد ومن لفّ لفه من راكبي الموجات السياسية والثورية، وناقلي البندقية من كتف الى كتف سعيا وراء مصالح ومكاسب سلطوية، إلا أن يدخل على خط إستخدام طرابلس وزج أهلها في معارك لا طائل منها وفي عناوين خلافية لا يملك سعيد ولا طرابلس ولا كل لبنان القرار بشأنها، ما يثير سلسلة علامات إستفهام حول توقيت اللقاء الذي عقد اليوم في مطعم الشاطر حسن، وأهدافه وعنوانه الذي تمحور حول مواجهة سلاح حزب الله ورفع الوصاية الايرانية عن لبنان.
لا يتقدم فارس سعيد ولا من يسير معه، أو يسيّره ويدعم توجهاته على طرابلس في الوطنية والسيادة والحرية والاستقلال وفي حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، لكن الفيحاء عاصمة لبنان الثانية التي لا تضيع البوصلة لديها أولويات محددة، وهي أهم بكثير من هذه العناوين الخلافية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن شأنها أن تسفر عن فتنة تضاعف من الأزمات المعيشية التي يحاول ثوار طرابلس مواجهتها وفي الوقت نفسه التعبير عن رفضهم للطبقة السياسية التي تسببت بهذا الخراب وقادت لبنان الى جهنم.
ليس بريئا اللقاء الذي عقد في قصر الشاطر حسن، وهو لم يأت وليد صدفة، بل كان محضرا مسبقا ومنظما، ما يعني أن هناك من يدعم ويمول هذا اللقاء الذي يهدف الى إثارة قضية معينة وهي “سلاح حزب الله والوصاية الايرانية” وبالتالي زج ثورة 17 تشرين فيها، وركوب موجتها لدعم هذا التوجه، لكن دخول مجموعات ثورية طرابلسية الى اللقاء أدى الى تفريغه من مضمونه، وأعاد الأمور الى نصابها، مع قيام الثوار بمواجهة فارس سعيد “نتاج المنظومة السياسية الفاسدة، الذي لم يجد مقعدا له في جبيل فجاء الى طرابلس يستجدي مقعدا نيابيا متسلقا وجع الناس ورافعا شعار الثورة”.
ثوار طرابلس وضعوا النقاط على الحروف وأكدوا أن المجتمعين على عنوان “سلاح حزب الله والوصاية الايرانية” لا يمثلونهم ولا يمتون إليهم بصلة، بل يمثلون توجها سياسيا محددا لا تريد طرابلس أن تكون جزءا منه في الوقت الراهن، وترفض أن يتم إستخدامها في التصدي له، فلطرابلس معاناة كثيرة وهموم لا تعد ولا تحصى، وللثورة أهداف يصعب على فارس سعيد أدراكها كونه ومن معه لا يرون اليوم سوى مشروعهم السياسي في وقت يكاد لبنان يلفظ أنفاسه الأخيرة.