حكاية التدقيق الجنائي في مصرف لبنان ومصير أموال المودعين في المصارف التي تدخل بازار المواقف والتصريحات والتجاذبات بين المسؤولين والسياسيين وأرباب المال، تشبه إلى حدٍ كبير حكاية جحا (صاحب النوادر الشهير) مع ذاك الملك الذي رَغِب في تعليم حماره الخاص الكلام، مقابل مبلغ كبير من ليرات الذهب بشرط: إذا فشل المتنطح إلى ذلك يُقطع رأسه.
وعندما تهيّب كثيرون الإقدام على هذه الخطوة الفاشلة حتماً بالمفهوم العام (باعتبار أن الحمار إسمه معه، ولا أمل في أن يتعلم الكلام)، الاّ أن لجحا مفهوم آخر حيث بادر إلى طرح نفسه كمجازف. فعقد إتفاقاً مع الملك مقابل تمنٍ، أن تكون مدة العقد عشرون سنة، ولما أبدى اصدقاء جحا خوفهم على مصيره البائس حتماً. بادرهم بتأكيده أنه فاز بالجائزة وسيتمتع بمضمونها، لأنه بعد أقل من عشرين سنة إما يموت الملك أو يموت الحمار أو يموت هو.
وهكذا فعل مصرف لبنان وأصحاب المصارف بالمودعين في لبنان:
فهم بددّوا الأموال أو هربوها خارج البلاد وأقفلوا الأبواب في وجه أصحاب الودائع بانتظار حصول التدقيق الجنائي الذي يدور في حلقة مفرغة إلى ما شاء الله. فيما المودعون يحاولون سحب ما أمكن من ودائعهم بالرغم من أنهم يخسرون القسم الأكبر من تلك الأموال التي جنوها بعرق جبينهم وليس عبر النهب والسلب اللذين مارسهما مسؤولون فقدوا كل ما يمت إلى الضمير والأخلاق بصلة!
المسؤولون والسياسون يقفون متفرجين على ما يحصل وكأن الأمر لا يعنيهم لأن دورهم كالمنشار الذي يأكل “عالطالع وعالنازل”. ولذلك هم يضحكون على الشعب بإيهامه أنهم يتخذون قرارات عاجلة وحازمة لمعالجة الإنهيار. ولكن عند التنفيذ الكل يتهرب إذا لم نقل يعرقل، حتى لا يصل “موس” التدقيق والعقوبات إلى ذقونهم!
أما الشعب “المسكين والمغفل” فإنه بالرغم من كل ما حصل، وما وصلت إليه الأمور من إنحدار. فإنه ما زال يراهن على أن مسؤوليه وسياسييه يفتشون عن حل لمصيبته، وإن ذلك قد يكون غداً أو بعد غد…!
في العديد من دول هذا العالم الذي يضم ملايين البؤساء. “جحا” يمثل عادة أصحاب الثروات، والشعوب تكون هي “الحمار” الذي يصبر حتى بات يُعرف بلقب “أبو صابر”.
أما في لبنان فكان الاعتقاد السائد ان الشعب هو الملك باعتباره مصدر السلطات بحيث أنه يختار السلطة التشريعية بـ “انتخابات ديمقراطية”، والتي بدورها تنتخب رأس السلطة التنفيذية والذي يكون المرجع في توجيه إختيار اعضاء السلطة التنفيذية الذين هم الوزراء. فأين لبنان من هذه التوصيفات؟.
مواضيع ذات صلة:
-
تجهيل الفاعل.. سيأخذ البلاد إلى الأسوأ… مرسال الترس
-
مَن يتّهم مسيحيي لبنان بالعمالة لاسرائيل؟… مرسال الترس
-
عندما تختلط ″الكورونا″ اللعينة بالاعتبارات الموبوءة!… مرسال الترس