أوضح عضو كتلة “المستقبل النائب سمير الجسر، في مداخلة في جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن التدقيق الجنائي، ان “لا أحد في مجلس النواب يرفض أي تبرير يتخذ لمحاسبة من هدر المال العام وموقف كتلة “المستقبل” كان دائما التشديد على الرقابة الادارية المؤخرة وتقديم المعاملات المالية ونتائجها من حين عقدها الى حين تنفيذها، ذلك ان الخلل يبدأ من المعاملات المالية”.
وقال الجسر:
يحزنني أن أقف اليوم من على هذا المنبر الكريم بدافعين:
الدافع الأول هو لتبديد الشكوك التي أثارها زميل عزيز ورفيق مرحلة نضالية كنت أظن خلالها أن ما يجمعنا ليس رفقة درب ظرفية بل رَفَاقةٌ قامت على إحترام متبادل مبني على قناعة بأن كلانا كان ولا يزال يعمل للإصلاح وليس إلا.
ولو لم يكن صديقي قد جهر للإعلام عن موقفِ، لكتلة المستقبل النيابية، رافضٍ لإقتراح رفع السرية المصرفية بما يعني ضمناً إن كتلة المستقبل ترفض التدقيق الجنائي، ولو أن صديقي أبقى شكه في نفسه لما تكلفت عناء الرد… لكنه ربما أتاح لي فرصة لتبديد التجني على هذا الكتلة.
الدافع الثاني وهو الأهم هو مناقشة رسالة فخامة رئيس الجمهورية للمجلس النيابي حول التدقيق والتدقيق المالي الجنائي الذين أقرتهما الحكومة طالباً من المجلس إتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار بشأنهما…. في الوقت الذي أعتقد جازماً أن ما من أحد في هذا المجلس يرفض إتخاذ تدبير يكشف خللاً في إنفاق المال العام وإدارته توصلاً لمحاسبة المخلين.
وجوابي في الدافع الأول لا يخرج عن كونه مقدمة صالحة لإتخاذ الموقف من رسالة فخامة الرئيس.
عن مواقف كتلة المستقبل النيابية:
ـ الموقف من عمل ديوان المحاسبة:
كان موقف كتلتنا دائماً التشديد على الرقابة الإدارية المؤخرة والتي تكاد تكون معدومة، ذلك أن الرقابة الإدارية المؤخرة كما عرفتها المادة 45 من قانون ديوان المحاسبة: “الغاية من الرقابة الإدارية المؤخرة تقدير المعاملات المالية ونتائجها العامة من حين عقدها الى حين الإنتهاء من تنفيذها الى قيدها في الحسابات” ذلك لأن الخطأ والخلل يبدآن من المعاملات المالية من حين عقدها الى حين الإنتهاء من تنفيذ المعاملات…
لكن الديوان منصرف في كلية شبه تامة الى الرقابة الإدارية المسبقة التي عرفتها المادة 32 من قانون ديوان المحاسبة :”الغاية من الرقابة الإدارية المسبقة التثبت من صحة المعاملة وإنطباقها على الموازنة وإحكام القوانين والأنظمة .” وهذ عمل يقوم به مراقب عقد النفقات”.
ومع تأكيدي على الجهد المبذول حالياً في رئاسة الديوان فإن الرقابة المسبقة قد تصبح أيضاً في خطر، ذلك أن هناك نقصاً هائلاً في الموظفين والقضاة، ولا بد من إصلاح يقوم على إعادة صياغة دور ومسؤوليات وصلاحيات الديوان لكي تنتظم الإدارة المالية والرقابة عليها بشكل صحيح. وعليه فإنه ينبغي أن يصار الى إمداد ديوان المحاسبة بالكفايات البشرية المؤهَلة علمياً للقيام بأعمال الرقابة اللاحقة. وهنا تمكن الإشارة الى الدور المكمل لدور ديوان المحاسبة الذي يمكن أن تقوم به مؤسسات التدقيق الخاصة من خلال الإستعانة بها لتنفيذ أعمال تدقيق مالية والتحقق من مستوى الإداء لدى المؤسسات العامة ولا سيما الإستثمارية منها.
التدقيق المحاسبي:
لقد سعت كتلة المستقبل الى إخضاع كل حسابات إدارات الدولة وحسابات المؤسسات العامة والمرافق التابعة للدولة لنظام التدقيق الخارجي المستقل من قبل مكاتب التدقيق والمحاسبة… وقد ضَمَّنَ وزير المالية في موازنة 2001 نصاً بهذا المعنى … لكن بعد مناقشات من لجنة المال والمجلس النيابي إستقر الأمر من خلال المادة 73 من موازنة 2001 الى ما يلي:
م73: إخضاع حسابات المؤسسات العامة وحسابات المؤسسات والمرافق التابعة للدولة لنظام التدقيق الداخلي وللتدقيق المستقل من قبل مكاتب التدقيق والمحاسبة.
1ـ إضافة لرقابة وزير المالية ولرقابة ديوان المحاسبة المنصوص عنها في القوانين والإنظمة المرعية الإجراء، تخضع حسابات المؤسسات العامة وحسابات المؤسسات والمرافق التابعة للدولة والتي تتمتع بإستقلال مالي وإداري، لنظام التدقيق الداخلي ولتدقيق مستقل من قبل مكتب تدقيق ومحاسبة معتمد.
2-أ- يعيين المدقق الداخلي بقرار مشترك من وزير المالية ووزير الوصاية بصفة تعاقدية…
ب- كما يعيين مكتب التدقيق والمحاسبة المعتمد بقرار مشترك من وزير المالية ووزير الوصاية…
ثم تشرح المادة كيفية العمل…
موازنة العام 2005
لقد حُضِّرت موازنة العام 2005 ضمن المهل الدستورية، وأرسلت الموازنة الى رئاسة الحكومة في شهر أيلول 2004 وكانت البلاد قد دخلت في أزمة سياسية إثر التمديد للرئيس لحود إنتهت بإستقالة الحكومة في شهر تشرين أول بعد أن توقفت الحكومة عن الإجتماعات منذ 19 أيلول.
وقد تضمن مشروع موازنة 2005 كل الرؤى الإصلاحية التي كانت مصدراً أساس لكل الإصلاحات التي أدخلت على مشاريع الموازنات المتتالية منذ 2017. ومشروع الموازنة هذا موجود في رئاسة الحكومة ويمكن الإطلاع عليه..
ولقد تلت إستقالة حكومة الرئيس الشهيد تأليف حكومة المغفور له الرئيس عمر كرامي الذي إحتفظ لنفسه بحق إعادة النظر بالموازنة وكذلك فعلت من بعده حكومة الرئيس ميقاتي حتى إنتهى الأمر الى التصويت على موازنة 2005 في مطلع العام 2006 من دون الإصلاحات تحت وقع الإستعجال بعد الخضة السياسية التي عانتها البلاد إثر إستشهاد د. الرئيس رفيق الحريري. وما يجدر الإشارة اليه هو أن مشروع الموازنة الذي أعد في أيلول 2004 كان يتضمن في المادة 45 منه: إخضاع حسابات وأعمال وزارة المالية للتدقيق من قبل مكاتب المحاسبة والتدقيق كبداية لتعميم الأمر فيما بعد على باقي الوزارات حيث ورد:
تخضع وزارة المالية بإداراتها كافة للأحكام المتعلقة بإخضاع حسابات المؤسسات العامة والمؤسسات المرافق ذات الصفة العمومية للتدقيق المستقل من قبل مكاتب المحاسبة والتدقيق المعتمدة والمنصوص عليها بموجب المادة الثالثة والسبعين من القانون رقم 326 تاريخ 28/6/2001 (الموازنة العامة لعام 2001)
في العام 2006 تقدمت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بمشروع قانون حوِّل بالمرسوم 1753 تاريخ 25/5/2006 يرمي الى مراجعة وتدقيق حسابات كافة الإدارات العامة والبلديات وإتحادات البلديات والمرافق العامة التابعة للدولة أو المؤسسات العامة وقد ورد في مادته الأولى مايلي:
المادة الأولى: “خلافاً للأحكام المتعلقة بمرور الزمن تخضع حسابات الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات وإتحادات البلديات والمرافق العامة التابعة للدولة أو للمؤسسات مهما كان شكلها القانوني لإجراءات التدقيق والمراجعة وفقاً للقواعد الدولية للتدقيق (INTERNATIONAL AUDITING STANDARTS) إعتباراً من تاريخ إقرار وثيقة الوفاق الوطني في الطائف وذلك في 5/11/1989 وحتى 21/12/2005 وذلك في ما يتعلق بالمعاملات المالية المشمولة بهذه الحسابات ونتائجها من حين عقدها الى حين الإنتهاء من تنفيذها وقيدها في الحسابات.”
لكن وبكل أسف فإن مشروع القانون هذا لم يجد طريقة الى اللجان حتى الآن.
ونحن إن كنا نتمسك به فإننا نطلب أن يمتد أثره ليشمل كل الأعمال حتى 31/12/2020 بدلاً 31/12/2005.
أيها الزملاء،
إن من كان دأبه دائماً تعزيز دور ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية المؤخرة، ومن أدخل التدقيق الخاص الى المؤسسات العامة، ومن سعى الى إدخالها الى الوزارة المالية كمقدمة لإدخالها الى باقي الوزارات ومن عمل على إعداد قانون للتدقيق المحاسبي لكل إدارات الدولة ومؤسساتها العامة فإنه لا يخشى شيئاً ولا يقف بوجه أي تدقيق عادي أو جنائي لأن ذلك من صلب توجهه وسلوكه وأدائه السياسي، ولأننا لا نخشى شيئاً… وليس لدينا ما نخفيه لا عن أنفسنا ولا عن الآخرين. ولأنه حتى إذا ما ظهر في صفوفنا مرتكب فإننا نتنكر الى فعلته وندعو للمحاسبة وليتحمل كل مرتكب مسؤولية أخطائه.
لقد تحملنا الكثير من التشكيك والتجريح ونحن نرى في التدقيق والتدقيق الجنائي ما يقطع دابر الكلام غير المسؤول لكشف الحقيقة بعيداً عن التقدير والتخمين والتجني والإتهام غير المسؤول الذي يساق في مواسم الإختلاف السياسي.
أما عن مضمون الرسالة
ـ الحكومة قررت إجراء تدقيق محاسبي وتدقيق جنائي وهذا أمر من حق الحكومة طالما أنه ليس هناك نص مانع.
ـ سنداً لقرار مجلس الوزراء تعاقد وزير المالية مع شركتي KPMG و Oliver Wayman للتدقيق المالي وكذلك مع شركة MARSEL&ALVAREZ للتدقيق الجنائي. والتدقيق الجنائي لا يبدأ إلا بعد إنتهاء التحقيق العادي من مهمته وهو يتتبع مسار الخطأ ليصل الى ربطه بجرم جزائي إذا توفر.
ولقد ورد في الكتاب “أن شركة التدقيق المحاسبي (المركز) لم تستطع حتى المباشرة بعملها … والسبب هو عدم تزويد وزارة المال بالعدد الأغلب من المستندات والمعلومات المطلوبة خطياً وتكراراً من شركة التدقيق… وذلك سنداً الى تفسير ساقه حاكم مصرف لبنان لنصوص قانونية مرعية الإجراء تتعلق بالسرية المهنية والسرية المصرفية”. يستنتج من هذا الكلام:
أن المصرف سلم بعض المستندات التي لا يشملها السرية المصرفية بدون تحفظ. أما المستندات التي يعتبر المصرف أنها محكومة بالسرية المصرفية فقد سلمها المصرف للدولة من خلال وزارة المال تاركاً للوزارة أن تتحمل مسؤولية تسليمها للتدقيق.
فتوقف الوزير عن تسليمها حتى لا يتحمل وحده هذه المسؤولية.
وهذا يعني أن مصرف لبنان لم يتمنع عن تسليم المستندات بل سلمها للدولة من خلال وزارة المال لتتحمل هي مخالفة قانون السرية المصرفية.
ويتبين من رسالة فخامة الرئيس أن شركة MARSAL&ALVAREZ أنهت العقد لأن لديها ثمة نقص في اليقين من أن هذه المستندات ستكون متوافرة؟!
وبعد أن أشار كتاب فخامة الرئيس الى ضرورة قيام التدقيق الجنائي بإعتباره “من مستلزمات تفاوض الدولة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي”، وإن هذا الأمر يستدعي التعاون مع السلطة الإجرائية التي لا يحول تصريف الأعمال دون إتخاذها القرارات الملائمة عند الضرورة العاجلة وذلك من أجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان حتى إذا ما تم فإنه يصلح كنهج يعتمد ليعمم على سائر وزارات الدولة…
فإننا نلفت الى مايلي:
ـ إن قرار التدقيق المحاسبي الجنائي تقرر في مجلس الوزراء وقد حُصر الأمرُ بالتدقيق في ميزانية المصرف المركزي وحساب الربح والخسارة ومستوى الإحتياطي المتوافر بالعملات الأجنبية كما ورد في الكتاب … وهذا القرار لا يمكن أن ينسحب تلقائياً على سائر وزارات الدولة وإداراتها ومؤسساتها وهيئاتها وإذا كان التطلع هو أن يصبح نهجاً يسري على ما ذكر فالأولى في حال تقرير عقد جديد لشركة جديدة أن يكون شاملاً لكل الوزارات وإدارات الدولة وهيئاتها ومؤسساتها بالإضافة الى مصرف لبنان.
فبالنسبة لمجلس النواب وبالرغم مما ينص عليه النظام الداخلي فإن مجلس النواب ليس سلطة إجرائية كما هو ليس سلطة قرار والدستور واضح في أن تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء – المادة 17 والمادة 65… أما الموقف الطبيعي والدستوري الذي يستطيعه المجلس فهو إصدار تشريع يقرر التدقيق المحاسبي والجنائي في أعمال مصرف لبنان مع تعليق العمل بقانون السرية المصرفية فيما يتعلق فقط بمصرف لبنان ولمدة محدودة.
ومن باب المناقشة القانونية وحتى لا يعتبر السكوت عن رأي قانوني، أثير أمام الهيئة العامة لمجلس النواب، إقراراً به فإننا نلفت الإنتباه الى أن ما تضمنه الكتاب حول أن موجب حفظ السرية المهنية والسرية المصرفية هو صالح عمومي intérêt public du secret professionnel يسقط أمام موجب الإبلاغ عن الجرائم الذي هو صالح عمومي عام intérêt public général، يعوزه الدقة في حالتنا في لبنان لأن هذا الأمر ينسحب على السرية المهنية secret professionnel وليس على السرية المصرفية secret bancaire وشتان ما بين الأمرين، وما أخذ عن الإجتهاد الفرنسي بهذا الخصوص يقف عند حدود السرية المهنية ولا يتعداه الى السرية المصرفية خاصة وأن فرنسا لا تطبق السرية المصرفية.
إن قرار التدقيق الذي صدر عن الحكومة يمكنها الرجوع عنه حينما تريد… لذلك فإن إصدار قانون يجعل التدقيق المحاسبي والجنائي إلزامياً يحول دون محاولة الرجوع عن هكذا قرار والمطلوب بالطبع أن يقرر القانون التدقيق المالي والمحاسبي والجنائي وأن يكون هذا التدقيق شاملاً لكل إدارات الدولة من وزارات ومؤسسات عامة ومرافق عامة وهيئات عامة وصناديق عامة ومجالس بدون إستثناء حيث تعلو الصرخة من شكاوى فساد.
لقد آن الأوان لنكف عن تبادل الإتهامات الباطلة وتشويش أذهان الناس والتجني على بعضنا البعض من دون دليل… بما ينعكس على الناس بفقدان الثقة بكل شيء وبكل المؤسسات…
لقد آن الأوان أن ينال المرتكبون جزاءهم من خلال تدقيق مالي ومحاسبي وجنائي دقيق شامل لكل الوزارات والمؤسسات والهيئات والصناديق والمجالس والمصرف المركزي يستند الى مستندات تقطع الشك باليقين بعيد عن كل تجني أو تشفي….
وأعتقد بتواضع ومن دون مصادرة رأي أحد أنه ما من نائب في هذا المجلس إلاً ويرغب في إحقاق الحق وحفظ المال العام وإستعادة دور البلد.