كونكِ امرأة في عالم يحكمه الرجل ليس أمراً سهلاً.
كونكِ امرأة ذات بشرة سوداء في عالم يحكمه الرجل الأبيض ليس أمراً سهلاً.
كونكِ امرأة ذات بشرة سوداء من دولة أفريقية نامية في عالم يحكمه الرجل الأبيض من دول الغرب ليس أمراً سهلاً.
أخيرًا وليس آخراً، إذا كنت كل ذلك وعاملة منزل أجنبيّة في لبنان أو في الشرق الأوسط، فأنتِ، يا صديقتي، تدخلين في أقفال العبودية الصدئة.
نعيش في مجتمع يتذمر ليلاً نهاراً حول الطريقة التي ينظر بها الغرب إليه، و هي بازدراء وفوقيّة تُسمّى أحياناً بنظريّة عبء الرجل الأبيض. ولكننا نعيش في مجتمع منافق، يتفاخر ليلاً نهاراً بالطريقة التي ينظر بها هو إلى “آخرين” بفوقيّة. و من هم أولئك الآخرين سوى العمّال الأجانب؟.
تحدث فوكو باستمرار عن العلاقة بين المعرفة والقوة. هل يعرف عمّال المنازل حقوقهم؟ إذا كانوا يريدون تسمية الأشياء كما هي أو إذا وقفوا للنضال من أجل حقوقهم الإنسانية الأساسية، إذ أنّ العديد من عاملات المنازل يتقاضين أجورًا منخفضة يتعرضن للعنف اللفظي والجسدي، فكيف ينتهي بهنّ الأمر؟ إمّا بالانتحار إمّا بقتلهنّ ببطء أو حيناً بسرعة. عندما تأتي عاملة أجنبيّة لأول مرة إلى منزل صاحب العمل، ينظر البعض إليها كما لو كانت تمثالًا يجب أن يتناسب مع أثاث منزلهم. فإذا اعتقدوا أنها ’قبيحة’ وفي الحقيقة ما من شيء قبيح سوى فكر أصحاب العمل الرجعي، فإنهم لا يفوّتون فرصة لإذلال العاملة و تعنيفها. إذا اعتقدوا أنها جميلة جدًا ، فإنهم إما يتفاخرون بمظهرها العابر أمام أصدقائهم “للمقارنة” أو يقللون من حريتها خوفًا من إغواء الآخرين. إنهم لا يرونها كإنسان يشعر و يسمع و يفهم و يُفكر. لأنها لا تتحدث العربية في كثير من الحالات أو لأن لغتها الإنكليزية أو الفرنسية لا بأس بها، يلعنها رئيس المنزل باللغة العربية وهي تفهم في معظم الأحيان كل كلمة.
عاملات المنازل الأجنبيّات يقمن بتربية أبناء الأسرة. العاملة الأجنبيّة أم وأخت لهم أكثر مما هي فعليّا أسرهم. هل تعلمون لماذا لا يتم إعطاء معظم عاملات المنازل أي هاتف ولا يُسمح لهن بيوم عطلة، حتى للقيام بالأنشطة الدينية؟ لأن “المدام” تخشى من تكوينهن صداقات قد تُدمّر سيطرة أصحاب العمل على العاملة. نعم هناك لجان ونشطاء في الدولة لكن العمال الأجانب مازالوا يعيشون في ظل نظام الكفالة. يأخذ معظم أصحاب العمل اللبنانيين جواز سفر العُمّال واقاماتهم بعيدًا عن متناول نظرهم او ايديهم ويعتقدون أن هذا أمر طبيعي ، ودائمًا ما يكون هذا خطأ عاملة المنزل إذا انتقلت قضية التعنيف الى المحاكم اللبنانية، وليس ذنب أصحاب العمل القديسين.
العديد من اللبنانيين يمارسون الهيمنة والسيطرة. لطالما كان نظام الكفالة مصدر قلق بالنسبة لي، وبقدر ما أحاول التفكير في طرق لإلغائه، أتذكر باستمرار أنه بغض النظر عما أفعله ، فإن طريقة تفكير هذا المجتمع هي المشكلة. نحتاج إلى تغيير الطريقة التي يفكر فيها البعض والتقاليد حتى يكون العمال الأجانب أحرارًا حقًا. آمل فقط أنه مع هذه التعبئة العامة التي أخافت الناس من البقاء لأسابيع في المنزل من دون الخروج، مع الأزمة الاقتصادية، الأزمة الصحيّة و غيرها… آمل فقط أن يفهم الناس ما معنى أن تكون عاملة منزلة منخفضة الأجر في لبنان وآمل أن تكون التوجهات لإلغاء نظام الكفالة ، وهذا ما يناضل البعض من أجله. ينظر اللبنانيون باستخفاف إلى العمال الأجانب، ومن المفارقات أن بلادهم أكثر تقدمًا من بلادنا، وإثيوبيا تستحوذ على سد النهضة مثلا، ونحن، ما زلنا نعيش في الماضي، في ذاك العصر الذهبي الذي لم يتبق منه سوى الحنين.