وليد جنبلاط، مثير للجدل حتى في رحلاته الخاصة وقضاء اجازاته.
اتعبته السياسة ومصير الاقليات في شرق مأزوم، فقرر جنبلاط الابتعاد قليلا عن صخب المواجع عسى هواء باريس اللطيف والهادىء يساعده على التفكير في جوانب الازمة المتشعبة.. على الاقل تلك رواية الحزب التقدمي الاشتراكي عن اسباب سفر زعيمه برفقة الوزير السابق وائل ابو فاعور.
الاطراف الاخرى إن لم يكن الخصوم لهم قراءة أخرى، فالازمة في لبنان وتوقيت تأليف الحكومة لا تتناسب مع ترف الاستجمام، غالبا ما تساور زعيم المختارة مشاعر القلق عند المنعطفات الحادة والخطيرة، وهو القائل بأن رجال آل جنبلاط لا يموتون على فراشهم، كما ان الواقع اللبناني مقبل على تغييرات جوهرية في النظام السياسي والصيغة المجتمعية، والجميع يدرك بأن أكثر ما يشغل بال جنبلاط مصير الدروز وسط لعبة الامم في حين أن باريس حاضنة الاقليات في لبنان وسوريا تاريخيا.
في المعطى السياسي، شراكة وليد جنبلاط مع نبيه بري تعود لدورهما في إنتفاضة شباط 1983 زاد منها عهود من التقلبات التي ما كانت تفسد بالحلف المقدس فكلاهما يلجأ الى الآخر في الملمات، والعقوبات الاميركية لن تقتصر على الوزير السابق علي حسن الخليل ولا بد لها من خطوات إستباقية كي لا تصل الى الحلقة الضيقة بين الاشقاء والابناء وربما الزوجة وأخواتها.
تنظر اوساط مطلعة كون رحلة جنبلاط متعددة الابعاد وخارج إطار الاسباب الخاصة، خصوصا أن الحزب التقدمي الاشتراكي ينتمي الى الاشتراكية الدولية ما يجعل جنبلاط قادرا على سبر اغوار العقل الفرنسي الذي عاد بعد مئة عام كي يلعب دورا محوريا في الشاطىء الشرقي للبحر الابيض المتوسط.
يبحث وليد جنبلاط عن إجابات شافية نابعة من قلق وجودي على الاقليات في ظل الصراع المحموم بين الامبراطوريات الحديثة والقديمة، فضلا عن تداعيات إعصار 17 تشرين الاول على مجمل الطبقة الحاكمة وجنبلاط واحد منهم، ومن الطبيعي بأن يلجأ جنبلاط الى فرنسا كونها المرشحة أن ترعى تكوين لبنان الجديد خارج الصيغة المعهودة.
فضلا عن متغييرات في عمق النخبة الدرزية تطمح الى التفلت من قواعد بدائية لتبوء المناصب الرسمية والشكل البدائي في العمل السياسي القائم على مبدأ الالتحاق بالزعيم دون النظر الى الكفاءات والقدرات، فعلى سبيل المثال لا الحصر سطع نجم وليد عربيد كونه شخصية اكاديمية تتمتع بإحترام واسع في الوسط السياسي والاكاديمي والحائز على عدد من الاوسمة الرفيعة من الدولة الفرنسية، ومن المؤكد بأن الاجيال الدرزية القادمة تتطلع كما الفئات الاخرى الى دولة المواطنة العادلة خارج الطائفية البغيضة، فهل زعامة جنبلاط قادرة على مواكبة هذه التغييرات الجوهرية؟.
في البعد المحلي، فقد جنبلاط الدور المحوري المؤثر داخل التركيبة الداخلية كما موهبة التقلبات في المواقف وفق ما تقتضي المصلحة ما يحتم حكما اعادة نظر شاملة، فما ينطبق على الشيعة لناحية الاعتراض وفرض شروط على مطلق تسوية أو إستحقاق لا ينسحب على الدروز وما يجري راهنا في تأليف الحكومة سوى الدليل الحسي على ذلك.
أما في الشق الاقليمي، خسر جنبلاط الرهان على الحرب السورية وإنهيار النظام، ثم على الاتكال على السعودية المنكفئة عن لبنان حتى إشعار آخر في حين تكر سبحة التطبيع وإلتحاق دول الخليج العربي بمحور السلام مع إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة، حيث أن أولى ضحايا المشروع هو لبنان من حيث فقدانه وظائف متعددة ما قد يجعله ساحة لإدارة الصراعات فقط.