حتى الكتابة لها طقوسها فقد لا ترغب بك ولا ترغب بها أو انك تعاند الاستطاعة ومحال ان تتصور ما يفوق المستطاع. تتأخر عنها،عن الموعد، حتى ولو لم يكن هناك موعد!
تخرج الرغبة من المبراة، فمع شرائح الخشب الرقيقة المتكورة على بعضها البعض تذهب الأفكار وتحاول التعرف على تلك الكميات المشلوحة منها والمرتبة أو المتروكة للفوضى المشغولة على لوح خشبي حيث يكون من المعد منها، في العادة عند الناس العاديين من أمثالي، لترمى في المهملات، لكنها عنده وفي محترفه تصبح لوحات! ولكنها ليست هكذا لأنها فقط بقايا رقائق الأقلام فهي مجمعة عن قصد ومرتبة مع كل احتمالات الفوضى وجمالاتها. من يخطر بباله صناعة الدهشة من رقائق خشب الأقلام الملونة بأكثر من لون مستعينا بمبراة؟
“محمد غالب” تأخرت عليك ولا موعدا بيننا! وكالعادة هذه المرة أيضا ستكون لنا وفيما بيننا ثرثرة فوق قماش أبيض! لن استطيع إخبارك، أو تستطيع إخباري،عن مواجعي وأوجاعي ومشاغلي وما فعلت، والعمليات الجراحية التي أجريت، وكم تألمت كما تألمت أنت السنة الماضية وقد ظهر انك تخطيت أوهانك وتعافيت. وكاحتفاء بصحتك او لرغبة في الكلام سنجلس وبدل الدقائق سنطيح بالساعة! كما اني يظهر لي هذه المرة أنه لن أفاجئك في محترفك القديم على الخط المستقيم المؤدي الى الساحة فمحترفك الجديد جميل، وقد نسيت أو التبس لي انه لا زلت اقصدك حيث كنت تجلس منشغلا بأقلامك وانت تلبس الروب الأبيض، غير ان المطرح الجديد له مواصفات أكثر أناقة وحميمية ويكفي لتستقبل من تلتقيهم. ليس للسقف العالي من ضرورة. فلو جلسنا سيكون الكلام مقطوف بين خبر وذاكرة ومشروع حلم جديد وسيمر من يعرفك يفتح الباب يسلم ويمشي ويكون بالتأكيد على موعد.
لم يعد على جدول الأعمال اي مسرحية في الأفق. لن يكون لنا حديث عن الخيبات سأسألك عن الجديد من اللوحات ماذا تحضر؟ سأخبرك حاسدا شغلك الفردي ذاكرا لك ان المسرح فن لمجموعة ونحن فرديون لهذا لن أكون في المنظور بحاجة لعناصر تزين أو للديكور أو من لدمى. لن يكون هناك ثمة أرنب أو تمساح! تصنعهم من اسلاك وإسفنج ولطخات ألوان لأنه لن ادخل في مغامرة مسرحية للأطفال ولن يهتم أحد بصياح الديك. أعرف الآن لماذا عز عليك الديك فاحتفظت به ربما لأن هذا الليل لن ينجلي مع صياح الديك؟!
كثيرا ما التقينا ولطالما كان لك اقتراحات مشاريع: تأسيس مجلس للمثقفين في الميناء، جمعية لتزيين الساحات العامة، وغيرها تكتب موجبات التأسيس وقانون داخلي وتعدل وتشارك وتحشد معارفك والأصدقاء. لا تكل. غير ان أهم ما كان لديك هو لوحتك نتاجك التشكيلي، الحروفيات، رسم لمائيات، منمنمات، اشتغال بالشرائط النحاسية، والصفائح النحاسية ومنها تبتكر بارولييف، ومن الجفصين مسبوكات، ودراسات اسكتشات لجداريات كبيرة هائلة في الضخامة، لم تكن لتمل ولا اخالك كنت تترك أقلام الرصاص تخط بها خطوطا لا يمكن ان يقدّر مشاهدك خلال العمل عليها الى ما ستتحول!.
كان يمر شهر أو شهران ربما ثلاثة لا نلتقي بعدها تنزل من المصيف ونعاود اللقاء. كم تبادلنا الرسائل من تحت الباب أو عبر “غسان” في مكتبته قبل ان أدخل عالم “المحمول” الذي تأخرت وتعثرت قبل ان استخدمه وضحكت من هذا وارتبكت كثيرا. ألم تذكر كم كنت اشجعك على العرض واقتراح بعض المشاريع الممكنة: لما لا تحضر لمعرض مع شقيقك الدكتور عبد الرحيم؟ ليأتي هو ونرى وتهز براسك لمن؟ أين؟ ولماذا؟ وتحشرني بعد أكثر من محاولة فتطلب مني كلمات تعرفيه بالعشرة وتصر على ان لا تتجاوز الكلمات المحددة العدد؟ لماذا يا محمد؟ ماذا ترغب؟ وانا أتأخر اماطل وحين اسلمك اياها لا تحددعن مآلها. غير انها ستكون في حفل تكريم العشرة. لم افصح لك مدا حبوري ان تكون مستقر كلماتي مع كلمات كبار ومن ضمن احتفالية اطلاق الكتاب الموسوعي “مسارات” الذي الفه د. الياس ديب عن مجموعة العشرة في طرابلس وتم ذلك بمناسبة اجتمعت مع عرض الفيلم الوثائقي من إخراج حسام خياط الذي تحدث فيه عنكم.
للذكريات بيننا منعرجات حياة ولطافة عيش واحترام وتقدير وربما كثير من الجروح ضمدناها معا غير اني وانا أحاول فقرة تختم هذه التحية لا يسعني بعد الآن ان ابقي “فكرة معرضك السري!” طي الكتمان. خاصة عندما حصل وقد مرت رمزية تحية الرئيس الفرنسي “ماكرون” للسيدة فيروز وعلاقة هذا التكريم بكونها فنانة مبدعة أولا وأخيرا ومنهم من احتفى بلوحة “سيسي سرسق” عنها! لوحة واحدة استدعت كل هذا الاهتمام. وكنت دائما أسألك عن معرضك عن فيروز متى؟ وتقول لم انته من الموضوع بعد أو لم تأخذ التحضيرات مداها! وقد سمحت لي بمشاهدة لوحات ولم تسمح لي بتصويرها في انتظار؟ وان ظهر لي اني سرقت واحدة مواربة خلال لقائك بحبيب حداد زائرا لك بعد غياب طوي في المهجر. وكانت لهذه اللوحات محطة دائمة بيننا مومنيا النفس انك ولا شك ستعرضها بمناسبة تخترعها. فماذا عنها كل ما اعرفه انك ابتكرت مجموعة كبيرة من البورترهات لمغنيتك الممتازة ولكل لوحة اخترت لها عنوانا او فقرة من إحدى أغنياتها كتحية لها أو كتحية منك لصوتها ولمجمل حضورها.
اما الآن فقد اصبح لهذه المجموعة من اللوحات مصير آخر فربما تكون لها حضور ومعرض أو تبقى بين مجموعاتك الخاصة تتحدث عن الحضور الفريد ورمزية الإنجاز الفني كشبه وصية فنية عملت لها سنوات. كم انها ستقدم بدون شك صورة حقيقية عن مشاغلك الفكرية والتقنية والحلول المبتكرة التي لم يسبقك عليها احد من قبل. كتبت عن لوحاتك ومميزاتها أكثر من مرة ليس الآن مجال استعادتها. كما كتب عن انجازاتك الكثير. بهذه الكلمات شئت ان انشغل بحضورك لا بالغياب وهمي ان استذكر ما جرى بيننا من الضحكات العالية النبرة والأصوات والخارقة لضحالة كل ما كان يجري حولنا من توافه وبساطة مشتغلة على المسطحات واستسهال كل شيء وحرصك على الاحتفاء بالعلاقات الإنسانية الراقية والكلام المبين.
عزيزي يا “محمد غالب”، يا مغادرنا، والأيام ستفتقد لوحتك المصلية والمدهشة بوضوحها وسحرها الخالص الحمالة أوجه والمحتفلة بأكثر من فكرة وحالة انخطافيه صوفية وبشرية منغمسة بالأرضيات كذلك بفعل الإبداع الذي كان صاحب أيامك صباحا ومساء.. كم سأفتقد لحراكك النشط والمبتكر للوحة مهما قلت عنها لن تسعفني الكلمات والعبارات المشغولة والمفتش عنها بدقة على البوح بأنها لن تتفوق على حضور وجهك اهمية.