مع مرور شهر على كارثة مرفأ بيروت، بدا واضحا أن الجرح ما يزال عميقا وملتهبا، يضاف إليه الملح عند كل حركة أو معلومة حول جثة هنا تحت الأنقاض أن إمكانية إنهيار مبنى.
ولعل حبس الأنفاس الذي عاشه اللبنانيون مع الفريق التشيلي حول إمكانية وجود قلب ينبض تحت الأنقاض، ضاعف من النقمة على السلطة الحاكمة التي أكدت كارثة المرفأ أن كل الأموال التي صرفتها وأهدرتها لم تعزز الدفاع المدني أو الاطفائية بأجهزة متطورة أو بكلاب محترفة كالتي ظهرت مع فريق الانقاذ الآتي من وراء البحار.
بالأمس عادت أصابع الاتهام لتوجه الى أركان السلطة، مع إستذكار الشهداء الذين سقطوا والجرحى وتفاصيل الانفجار الهائل وكيفية سوق رجال الاطفاء الى موتهم المحتم، حيث أحيا لبنان من بيروت هذه الفاجعة التي أرخت بثقلها على الطبقة السياسية المسؤولة عن الانهيار المالي والاقتصادي والأمني والاجتماعي والاستشفائي، وعن إنفجار الشارع، وعن تفجير المرفأ، حيث لم تعد قادرة على مواجهة شعبها إلا بتسهيل ولادة حكومة بشكل سريع تبدأ العملية الاصلاحية وتضع لبنان على سكة الانقاذ قبل فوات الأوان.
لم يعد أحد في لبنان يمتلك ترف الوقت الذي بات ضاغطا جدا، فالمهلة التي أعطاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسلطة الحاكمة ليست “مزحة” بل هي عبارة عن إما “أن يكون لبنان أو لا يكون”، فلم يعد خافيا على أحد أن ماكرون إستفاد من الوقت الضائع الناتج عن انشغال الاميركيين بانتخاباتهم الرئاسية، حيث تلقف المبادرة محاولا إنقاذ لبنان، إنطلاقا من أمرين إثنين الأول حاجة فرنسا للبنان كمنطقة نفوذ في الشرق الأوسط بعد تراجع واضح لحضورها فيها، والثاني إعادة ترتيب أوضاع هذا البلد الذي سبق وأعلنت فرنسا قبل مئة عام قيامه، والذي يلقى إهتماما أوروبيا لا سيما من بابا الفاتيكان الذي أعطاه جرعة دعم كبيرة.
إنشغال الأميركيين بانتخاباتهم لم يمنعهم عن مراقبة ماكرون حيث لم تكن صدفة أن يأتي ديفيد هيل بعد زيارته الأولى بيوم واحد، وأن يأتي ديفيد شينكر بعد زيارته الثانية بيوم واحد أيضا، ما يعني أن مبادرات ماكرون تسير برضى أميركي وتحت مجهر البيت الأبيض، علما وبحسب المعلومات فإن الأميركيين قبلوا على مضض سحب الملفات الخلافية مثل الانتخابات النيابية المبكرة وسلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية.
لكن غض النظر الأميركي جاء من باب الالتزام مع ماكرون بإعطائه فرصة حقيقية تنتهي في أول كانون الأول فإما أن تلتزم السلطة بما طلبه أو أن يصار الى سحب الملف اللبناني من الحضن الفرنسي.
من هنا يبدو أن ثمة فرصة حقيقية أمام الرئيس المكلف مصطفى أديب لتشكيل حكومة إختصاصيين حيادية لديها مهام محددة بعد ترحيل الملفات الخلافية الى مرحلة لاحقة، وهي إجراء الاصلاحات والانقاذ المالي، إعادة الاعمار، التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، ومواجهة كورونا.
واللافت أن الرئيس أديب الذي يحظى بغطاء سني واسع، وبدعم نيابي كبير (90 صوتا) وباحتضان فرنسي عبر عنه ماكرون وبرضى أميركي أوحى به شينكر، يعمل على تشكيل حكومة هذه المهمة الانقاذية سواء من حيث عددها الذي يريده من 16 الى 18 وزيرا على الأكثر أو على صعيد إختيار الأسماء القادرة على أن تشكل فريق عمل منسجم يساهم في وضع لبنان على سكة الانقاذ، لذلك فإن القوى السياسية التي تواجه قاعدة “العصا والجزرة”، لم يعد لديها سوى تسهيل مهمة الرئيس المكلف والالتزام بما عبرت عنه في الاستشارات النيابية، وإلا فإنه مع حلول كانون الأول سيكون شتاء لبنان قاسيا جدا.
مواضيع ذات صلة:
-
لغة العالم لا تفهمها السلطة.. والعهد يطلق النار على نفسه!… غسان ريفي
-
الآية السياسية إنقلبت.. الحريري مرشح قوى 8 آذار!… غسان ريفي
-
حسان دياب لعب بالنار فأحرق أصابعه.. هكذا تم إسقاط الحكومة!… غسان ريفي