تبدو الأيّام المتبقية من شهر آب الجاري والأيّام الأولى من شهر أيلول المقبل مصيرية بالنسبة لولادة الحكومة الجديدة، ففي ضوء التطورات الهامّة التي ستشهدها يمكن الخروج بأحد توقعين إمّا تشكيل حكومة تخلف حكومة الرئيس حسّان دياب، التي استقالت في 10 آب الجاري تُخرج البلاد من أزماتها، ولو شكلياً ومؤقتاً؛ أو لا حكومة في المستقبل المنظور، ما يبقي البلاد رهينة الأزمات الداخلية والخارجية وتداعياتها الثقيلة عليه.
تعود أهمية هذه الأيّام التي تقدّر بنحو أسبوع إلى الزيارة المنتظرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان يوم الأثنين المقبل، والتي ستمتد 48 ساعة، حيث يشارك فيها في الذكرى المئوية لولادة دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول المقبل، في احتفال رمزي سيقام في قصر الصنوبر في بيروت، وهو المكان الذي شهد قبل مئة سنة ولادة الكيان اللبناني بحدوده الحالية.
زيارة ماكرون التي يُعوّل عليها كثيرون لما ستحمله من دعم للبنان مالياً وإقتصادياً، خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الجاري، وحثّ على إجراء الإصلاحات المطلوبة إقتصادياً وتشريعياً وسياسياً، ما يُمهّد الطريق لحصول لبنان على مساعدات مالية هو بأمسّ الحاجة إليها هذه الأيّام، ينظر المتفائلون إليها على خلفية إرتباطها بتشكيل الحكومة المقبلة من زاويتين: الأولى أنّ الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلّف تأليف الحكومة المقبلة ستجري قبل وصول ماكرون، بين اليوم أو غداً، لتكون بمثابة مدخل لمساعدة لبنان، واستغلال وجود الرئيس الفرنسي في بيروت لهذه الغاية.
أمّا الزاوية الثانية المتفائلة بزيارة ماكرون فيرى أصحابها أنّ الإستشارات النيابية الملزمة ستجري غداة مغادرته لبنان، والتي ذهب البعض إلى توقع حصولها يوم الخميس المقبل، بعد أن تكون الإتصالات واللقاءات التي سيجريها ماكرون قد أسهمت في نضوج “طبخة” تأليف الحكومة العتيدة، تكليفاً وتشكيلاً، وأن تبصر النور خلال وقت قصير بعد وضع الخطوط العريضة لها.
هذا التفاؤل الذي جعل كثيرين يطرحون أسماء شخصيات عدّيدة من أجل تكليفها تأليف الحكومة المقبلة، بعد سحب الرئيس سعد الحريري ترشيحه، يصطدم بعقبات وعقد عدّة ما تزال حتى الآن بلا حلّ، أبرزها إسم الشخصية التي ستكلف بهذه المهمة، وأن تحظى بحدّ أدنى من الإجماع الداخلي والخارجي، ومشاركة أو عدم مشاركة أحزاب وشخصيات سياسية معينة فيها بسبب فيتوات أو تحفظ داخلي وخارجي عليها، وتوزيع الحقائب على القوى والأحزاب والكتل، فضلاّ عن المهمة الرئيسية لها، والمتمثلة في قيامها بإصلاحات ضرورية وعاجلة بشكل يؤمّن لها الحصول على المساعدات الخارجية بشكل سريع، بعدما وصل البلد إلى حافة الإنهيار، أو لجم الإنهيار الذي بدأ فعلاً.
لكنّ هذا التفاؤل تبدّده مخاوف من تعثر تأليف الحكومة، قبل زيارة ماكرون أو بعدها، وهو تعثّر من شأنه أن يجعل تأليف الحكومة في المدى المنظور صعباً جداً، ما يدخل البلاد في أزمة سياسية ودستورية وإقتصادية معقدة، ستكون تداعياتها على المواطنين شديدة وقاسية وعلى كل الصعد، ويدخل البلد في نفق مجهول لا أحد يعلم متى سيخرج منه.
المفارقة أنّ هذا الإستحقاق يأتي في ذكرى ولادة دولة لبنان الكبير، الذي سيجعل ممثل الدولة التي عملت على ولادته، وهو الرئيس الفرنسي ماكرون، ينظر في المناسبة ويجول بعينيه على الموجودين الذين يشاركونه الإحتفال بالذكرى، من على درج قصر الصنوبر، مستعيداً في ذاكرته تحوّلات 100 عام لم تعد معها فرنسا ولا لبنان كما كانا قبل قرن من الزمن، وحرصه ـ قدر المستطاع ـ أن تكون هذه المناسبة فرصة لمراجعة الذات والنقد وليس الوقوف على الإطلال.
مواضيع ذات صلة:
-
إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد