خراف نحن.. والجزار يسلخنا ويشوينا
ونهدأ تحت شفرته.. فلا تؤذيه أيدينا
صفوفا ننحني أدبًا.. لنذبح في أراضينا
مسالخنا مجهزة.. أذل الله والينا..
في الثمانينيات من القرن الماضي كتب الشاعر الاسلامي الراحل المحامي اكرم خضر هذه الابيات كتعبير عن تسلط كثير من الانظمة العربية على شعوبها والتعامل معها بالحديد والنار وتجويعها وارهابها وظلمها من دون رادع من اخلاق او وازع من ضمير..
هذه الابيات التي بقيت حية بعد نحو اربعين عاما، تحاكي اليوم الواقع المزري في لبنان، وتعبر عن آلام شعب بدأ يشعر انه مجرد قطيع من الخراف تسوقه السلطة الحاكمة الجائرة للذبح، من دون ان تقيم وزنا لأزماته ومعاناته ومآسيه واوجاعه التي بلغت مداها، ومن دون ان تحرك ساكنا لانقاذ البلاد والعباد من بطالة وفقر وجوع يلوحون بالافق، وقانون غاب بدأ يفرض نفسه يأكل فيه القوي الضعيف، ويقتل فيه المسلح الأعزل.
لم يعد هناك من وصف يمكن ان يُطلق على هذه السلطة، حتى “القدح والذم” بات قليلا عليها (لولا ان القانون يحاسب عليه)، وذلك بعد ان خلعت كل اقنعتها وكشرت عن انيابها لافتراس اللبنانيين وإلتهام مقدراتهم واملاكهم واموالهم ومن ثم التخلي عنهم وتركهم من دون مقومات دولة او مؤسسات، او معالجات ما يفتح المجال امام سيناريوهات فوضوية، دموية وكارثية.
فجرت السلطة البلاد بـ”نيترات الامونيوم” فقتلت البشر ودمرت الحجر واهدرت جنى الاعمار ثم وقفت تتفرج على الدماء والخراب من دون أن يرف لها جفن، وعلى الدول والهيئات المانحة تساعد وتغيث بينما يكتفي اركانها بالتقاط الصور الصماء داخل القصور والسرايات والتعبير عن الارتياح بأن اللبنانيين الذين تحولت اجسادهم الى أشلاء وتشردوا من نحو 180 الف منزل ضمن العاصمة بيروت فتحوا الباب لعودة التواصل بين لبنان والمجتمع الدولي الذي صفع هذه السلطة بقوة، بعدم تقديم أي من المساعدات عبرها إنطلاقا من انعدام الثقة بها، خصوصا ان من يتسبب باعدام شعبه أو تشريده لا يمكن ان يؤتمن على الاعمال الاغاثية.
كان اللبنانيون ينتظرون، أن تتلقف السلطة كارثة مرفأ بيروت، وأن تستفيد من الدعم العربي والدولي، وأن تسارع الى تشكيل حكومة قادرة على الانقاذ وإستعادة ثقة العالم.
لكنهم فوجئوا برئيس للبلاد يقدم مصلحة صهره على مصالح خمسة ملايين لبناني، يسجن الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا، ويمعن في خرق الدستور ومصادرة الصلاحيات لتحقيق حلم “النظام الرئاسي” الذي يراوده منذ ما قبل إتفاق الطائف.
هذا الواقع أدى الى تراجع حماسة المجتمع الدولي تجاه لبنان، وها هو ماكرون سيبدأ زيارته الثانية الى لبنان في الأول من أيلول ليسأل عما طلبه في الزيارة الأولى، لكنه لن يجد أجوبة ولا حكومة ولا إصلاحات ولا مكافحة فساد ولا صدق نوايا، ما قد يدفعه الى أن يغادر لبنان، ويقفل بابه ويأخذ مفتاحه معه والاعلان عن أن في هذا البلد المغلق دولة فاشلة غير قابلة للحياة أو للمساعدة كونها مجرمة بحق بلدها وحق شعبها.
عندها ستبدأ رحلة العذاب التي تلوح في الأفق اللبناني بدءا من جنون الدولار مرورا برفع الدعم عن المواد الأساسية (محروقات، طحين وأدوية) والارتفاع غير المسبوق في الأسعار في ظل حكومة تصريف أعمال لا خير فيها، وصولا الى الفوضى والتوترات الأمنية التي قد يعرف اللبنانيون كيف تبدأ، لكن أحد لا يعلم كيف تنتهي.
يمكن القول أن لا شيء يضر باللبنانيين وسمعتهم وكرامتهم وتفاصيل حياتهم اليومية إلا وأقدمت عليه هذه السلطة، من حجز أموالهم في المصارف، وتدني قيمتها الشرائية، وإنخفاض رواتبهم الى أدنى مستوى، ودخول السواد الأعظم منهم الى نادي الفقراء، وحرمانهم من الكهرباء والدواء والمستلزمات الطبية، وإخضاعهم لأزمات الكهرباء والخبز والمحروقات التي تطل برأسها بين الحين والآخر، وتهديدهم بفوضى السلاح والقتل المجاني الذي يتنقل بين المناطق وغير ذلك كثير من المآسي التي لا تعد ولا تحصى..
وبعد ذلك، يؤخر رئيس الجمهورية الاستشارات النيابية، بهدف تشكيل حكومة على قياس تياره السياسي، وتكليف “باش كاتب” جديد يكون شاهد زور على ضرب إتفاق الطائف وإضعاف موقع رئاسة الحكومة، فيما اللبنانيون يغرقون شيئا فشيئا في مستنقع الأزمات من دون أن يجدوا دولة تحميهم او ثورة تنقذهم.
مواضيع ذات صلة:
-
الآية السياسية إنقلبت.. الحريري مرشح قوى 8 آذار!… غسان ريفي
-
حسان دياب لعب بالنار فأحرق أصابعه.. هكذا تم إسقاط الحكومة!… غسان ريفي
-
أوقفوا الموت المجاني في طرابلس!!… غسان ريفي