يـوم أمس وبينمـا كنت أتصفح شاشة هاتفي الذكي، قـرأت منشوران يتعلّقان بتشغيل مرفأ طرابلس، أولهما كانت تغريدة لصديقي خلدون الشريف قـال فيها: “في متابعة لأحوال مرفأ طرابلس، بمعية النائبين نقولا نحاس وعلي درويش، زرنا الوزير غازي وزني بحضور رئيس مجلس الجمارك العميد اسعد الطفيلي ومدير عام الجمارك بالإنابة ريمون خوري ومدير مرفأ طرابلس احمد تامر الذي رفع قائمة مطالب. توافقنا على جملة خطوات سنتابعها بسرعة وفعالية بإذن الله”.
والثـانيـة على صفحـة غرفـة التجارة في طرابلس والشمال حيث جـرى نشر مقابلة صحفيّـة أجرتها مجلة الافكار، بقلم الاستاذ طوني بشـارة تحت عنـوا ” اعتماد مرفأ طرابلس كبديل مؤقت لمرفأ بيروت بعد حادثة الانفجار.
لم أعـر الرابط اهتمـامـا لعلمي المسبق أن مرفـأ طرابلس لـن يكون لـه دور اقتصادي، لا في ظـل نكبـة الـ : “نيترات الايرانيوم” ولا في ظل أي واقعـة أو ظرف أو حدث آخـر، دامٍ كان أم سعيـد، وذلك لأسباب عديدة، أحـدهـا هي أن البيروتي لم يسمح لمرفئنـا سابقـا بالتطوّر في ظـل عهـد الرخاء، فلماذا سيفعلهـا اليـوم في ظل عهـد الـ…. ؟؟!!
ولفت نظري تعليق أحـد “العناتـر” من أهـل مدينتي، الذي علق على صفحة الغرفة ساخرا وقـال: “اعتمـاد مرفأ طرابلس مؤقت”، منتفضـا لطرابلسيتـه رافضـا جعـل المرفأ المزدهـر بالبديـل المؤقت، معتبرا أن المقـال قد أعـاد جحافـل “ريمون دي تولوز” الى طرابلس بقيـادة توفيق دبـوسي رئيس الغرفــة!..
هذا التعليق جعلني أعتقد أن ثمـة انتقاص من قيمـة مدينتي ومرفئهـا، ما دفعني الى القاء نظـرة على مقـال صحيفة الافكار فقرأتـه بتمعن. ولم أجـد فيه ما يشير الى “المؤقت” الا عنـوانـه فأدركت ان الاشاوس لم يقرأوا والتزموا بقول “غولدا مائيـر” الشهير: “إنْ أردتَ أنْ تُخْفِي شَيْئًا عـن العرب، ضَعْهُ فِي كتَــاب”، فَنحنُ يا سادة أمًة تَخافُ فَتْحَ الكُتُب !
لا بد لي مـن نقـل ما قالـه الاستاذ دبوسي حرفيـا في هـذه المقـابلـة: “في مرفأ طرابلس إمكانات وقدرات تفوق مرفأ بيروت من حيث الطموحات والامكانات المستقبلية ونحن في غرفة طرابلس والشمال نعتبره مرفقاً محورياً ضمن إطار مبادرتنا نحو إعتماد طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية.”
مـاذا نريـد نحــن أبنــاء المدينــة، أفضـل مـن هـذا الكلام؟؟
واذا ما أردنـا التسليم جدلا أن ما ورد في عنـوان هذا المقـال هـو تقصير مـن قبـل كل مـن يسعى اليوم لمحـاولـة تشغيـل مرفـأ المدينـة دون جدوى، فانني في هـذا الاطـار تـذكرت واقعـة حكاها لي سنـة 1982 جدي وهيب، تقع في مكانهـا وتنطبق على تفـاصيل هذه القصـة؛
“في قديم الزمـان كان شيخ مدينـة المينـاء وامـام مسجدهـا العالي سماحة الشيخ المرحوم منير الملك، وكـان جدي يعمل “مكــاري” أي سائق “كارّات” بين مرفأ طرابلس وبلاد الحجـاز، واستطرادا “الكارّة” هي العرباة التي يجرهـا عدد من الخيول أو البغـال، وكان على صداقـة مع سماحة الشيخ منير. في يوم من الايـام رأى الشيخ ، رجـل سوري من مدينـة حمص يعمـل عتـالا على رصيف مرفأ المدينة، ولاحظ أن هـذا الرجـل خلوق، الا أنـه لا يحضر للصلاة في المسجد وقد مضى على حضوره الى المدينة أكثر من سنة ! فدعـاه الى الصلاة في المسجد ، وكان جواب الرجـل بالرفض لأنه لا يستحسن الوضوء والطقس بارد في الشتـاء، فما كان من الشيخ منير الا وأن سهـّل المهمـّـة على الرجل مجيزا لـه تأدية صلاته من دون وضوء، ففرح الحمصي وواظب على الصلاة في الجامع لمدة سنة دون انقطاع .
عـاد الرجـل الى بلاده في اجازة، وتابع في الموظبة على الصلاة في مسجد في مدينـة حمص، كمـا كـان يفعـل في مسجـد الأسكلة العـالي، فانتبـه شيخ الجامع الحمصي أن الرجـل مستجدّ بين المصلين ويثابر على الصلاة، الا أنـه يؤديهـا دون وضوء!! وعنـدما سألـه عـن ذلك، قصّ عليـه الرجـل اجـازة اعفـائه مـن الوضوء الصـادرة عـن امـام مدينـة المينـاء، فغضب الشيخ وطرده مـن المسجد، محملا ايـاه خطابا مكتوبا، وجهـه الي الشيخ منير، ضمنّه كلمات الملامة ومعتبرا ان فعله جاء مخالفـا للشرع ولأصول الدين.
بعـد انتهـاء اجـازته رجع الحمصي الى المينـاء، وأول مـا فعلـه أن ذهب للقاء الشيخ ليسلمه الرسـالة؛ قـال لي جدّي، ابتسم الشيخ منير واستلّ قلمـه من جيب جلبابه وكتب للرجل على ظهر ذات الورقة الكلمـات التاليـة: بعد التحية، معك كل الحق يا شيخ، أنـا علّمت الرجـل الصلاة فلما لا تعلّمـه أنت أصول الوضوء؟ ” وأنهى جدي السرد بعـد ان اغرورقت عيناه الزرقـاوان بالدموع مترحما على سماحـة الشيخ منير الملك .
العبرة مـن هـذا السرد، موجهـة الى كل مـن يتمكن من انتزاع مسألـة تشغيل مرفأ طرابلس ولو بشكل مؤقت فهـو مشكور، والى مـن يعتبر نفسـه “عنتر” ليعمـل مـا في وسعـه لجعـل هذا التشغيـل دائمـا ومستداما.
مواضيع ذات صلة:
-
هـل ما أزال ″بحبـك يا لبنــان″؟… بقلم: المحامي وهيب ططر
-
عندما توقفت ساعة يد ″الحاكم العسكري″ عند العاشرة وعشر دقائق!… بقلم: المحامي وهيب ططر
-
ما في حبوس بتساع كل الناس… بقلم: المحامي وهيب ططر