لعب حسان دياب بالنار فأحرق أصابعه، ووجد نفسه أمام ثلاثة خيارات: فإما الاستقالة الطوعية، أو الاستقالات الفردية التي تطيح بحكومته بفقدانها الثلث زائدا واحدا، أو السقوط في مجلس النواب بسحب الثقة في جلسة المساءلة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، فاختار أن يحفظ ماء وجهه باستقالة طوعية وببيان هجومي ضد منظومة الفساد، حاول من خلاله أن يخطب ودّ الثورة التي كانت تشتعل في محيط السراي الكبير إحتجاجا عليه، وعلى سائر أركان السلطة.
لا يختلف إثنان على أن الحدث النووي، الدموي والتدميري الذي شهدته بيروت إنطلاقا من مرفئها قد أصاب الحكومة بالتصدع، وأربك رئيسها الذي شعر أن ورقته بدأت تتأرجح قبل السقوط الحتمي، خصوصا في ظل إنشغال حلفائه بالدفاع عن أنفسهم، وتركه وحيدا يواجه سهام المعارضة التي إتخذت من الشارع الغاضب قوة إضافية حشرت العهد وحكومته معا في الزاوية الصعبة.
ومما زاد الطين بلة هو مجموعة من الأخطاء التي إرتكبها دياب مع حلفائه قبل الانفجار وبعده، لجهة:
أولا: البلبلة التي أحدثها مع رئيس الجمهورية ميشال عون في مشروع معمل سلعاتا الذي أوقفته الحكومة ومن ثم أعادت إقراره، وبعد ذلك توقيعه التشكيلات القضائية وردها الى عون الذي رفض توقيعها.
ثانيا: إنعدام الكيمياء بين دياب وبين الرئيس نبيه بري الغاضب من هيمنة جبران باسيل على الحكومة، والمعارض الدائم لتوجهات دياب الذي أبلغ وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان بأن رئيس المجلس يسعى دائما الى عرقلته.
ثالثا: تسرب معلومات الى الرئيس بري وحزب الله بأن دياب يحاول إرضاء الشارع بطرح مشروع قانون يرمي الى تقصير ولاية مجلس النواب، والى إجراء إنتخابات نيابية مبكرة، ومن ثم إعلانه ذلك أمام وسائل الاعلام كرد واضح على لقاء حلفائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والقبول معه بالاطاحة بحكومته لمصلحة حكومة إصلاحية من مختلف المكونات الوطنية، وإعطاء نفسه مهلة شهرين في رئاسة الحكومة لتحقيق ذلك، من دون الرجوع الى الحلفاء الذين إعتبروا ذلك بمثابة عملية إنقلابية عليهم.
هذه الأخطاء معطوفة على ضغط الانفجار النووي وغضب الشارع وما أنتجه من مواجهات بين المحتجين والقوى الأمنية وفوضى عارمة على مدار ثلاثة أيام، وتقاذف المسؤوليات والاتهامات، والتأكيد على أن دياب كان على علم بوجود “نيترات الأمونيوم” في المرفأ وأنه كان يريد أن يستعرض إعلاميا بالكشف عنها، قبل أن يؤجل زيارته الى أن إنفجرت، كل ذلك أقنع رعاة الحكومة أن عمرها قد إنتهى وأنه آن أون إسقاط ورقتها.
وترجمة لهذه القناعة، بدأت سبحة الاستقالات تكرّ بين صفوف الوزراء والتي وجهت أكثر من رسالة سلبية الى دياب، في وقت حدد فيه الرئيس نبيه بري يوم الخميس المقبل موعدا لمساءلة الحكومة عما حصل في المرفأ ما يعني طرح الثقة بها مجددا وصولا الى إسقاطها.
وتشير المعلومات الى أن دياب بذل مجهودا مضنيا مع الوزراء لثنيهم عن تقديم إستقالاتهم، وأنه إستعان بأكثر من وسيط سياسي وأمني لحماية حكومته وإبقائها على قيد الحياة، ومقايضة تخليه عن طرح مشروع الانتخابات النيابية المبكرة بعدم عقد جلسة المساءلة والاسراع في تعيين وزراء بدلا من الذين إستقالوا على غرار ما حصل عند إستقالة وزير الخارجية ناصيف حتي، لكن كل هذه الجهود باءت بالفشل، حيث أصر الرئيس بري على عقد جلسة المساءلة، ما شكل رسالة واضحة لدياب برفع غطاء الثنائي الشيعي عنه، وعدم تحمس التيار الوطني الحر لبقائه، ما أجبر رئيس الحكومة على إعلان إستقالته.
مواضيع ذات صلة:
-
أوقفوا الموت المجاني في طرابلس!!… غسان ريفي
-
ماذا تعني ″ساعدونا لنساعدكم″؟… غسان ريفي
-
الدول الداعمة للبنان.. ″قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر″!!… غسان ريفي