في خطابه الذي ألقاه أول من أمس أورد رئيس الحكومة حسّان دياب عبارات توقف عندها المراقبون، عندما قال إنّه ″مستعد لتحمّل هذه المسؤولية لمدة شهرين، ليتفقوا. المطلوب عدم الوقوف ضد إنجاز إصلاحات بنيوية حتى ننقذ البلد″، داعياً “كلّ الأطراف السياسية للإتفاق على المرحلة المقبلة″، وكاشفاً انه سيطرح اليوم على جلسة مجلس الوزراء ″مشروع قانون لإجراء إنتخابات نيابية مبكرة″.
بين سطور هذه الكلمات مرّر دياب الكثير من المواقف السّياسية التي بقي بعضها مبهماً بانتظار مزيد من التوضيح. كما فرض طرح تساؤلات عن مواقفه، منها تفسير مغزى قوله بأنّه مستعد لتولي المسؤولية لشهرين، فهل هي مهلة لللإتفاق على حكومة جديدة، أم لاحتمال آخر لم يكشف عنه، وإن كانت دعوته الأطراف السياسية للإتفاق على المرحلة المقبلة تميل إلى التفسير الأول لكلامه وليس الثاني، برغم أن أوساطه نفت ما يشاع عن احتمال إقدامه على الإستقالة، لأن المرحلة الحاضرة برأيّهم ″تحتاج إلى العمل وليس رمي البلد في الفراغ″.
لكن المفاجىء في كلام دياب كان طرحه إجراء إنتخابات نيابية مبكرة، وقوله إنه سيطرح مشروع قانون لهذه الغاية على مجلس الوزراء في جلسة اليوم، خصوصاً أن حلفاءه وخصومه معاً لم يكونوا في هذه الأجواء، ولم يطلعهم عليها مسبقاً، برغم أن أوساط دياب قالت إنّ مبادرة إجراء هذه الإنتخابات هي “حشر” لكتل نيابية طالبت بذلك، وكي يتأكد للرأي العام مدى جديتها من عدمه في “تبني إجراء إنتخابات مبكرة، إذا كانت لا تخشى على نفسها من خسارة مقاعدها النيابية”.
لكن دياب وحلفاءه وخصومه على السواء يدركون أنّ إجراء إنتخابات نيابية مبكرة لن يقدم ولن يؤخر في المشهد السّياسي شيئاً، خصوصاً إذا أجري وفق القانون الذي أجريت آخر دورة إنتخابات على أساسه، عام 2018، والقائم على النسبية والصوت التفضيلي، وأنّ الوقت ليس كافياً لإنتاج قانون إنتخابات نيابية جديد قبل موعد الإنتخابات المقبلة عام 2022، ولا الظرف السياسي يساعد في ذلك، عدا عن أنّ أغلب القوى والأطراف السياسية لا ترغب في إجراء إنتخابات جديدة بسبب نقص كبير لديها في الأموال اللازمة لها لخوض هذه الإنتخابات، وفي ظلّ أجواء الإحتقان الطائفي والمذهبي الضاغطة، إضافة إلى أن المخاوف من تفشّي فيروس كورونا كوفيد 19 تجعل إجراء الإنتخابات في ظل تصاعد إنتشاره يبدو وكأنّه “إنتحار” صحّي.
لكن هل الضغوط السّياسية وفي الشّارع ستدفع الحكومة للإستقالة بعد تقديم وزراء إستقالاتهم، وهل سيدفع ذلك المجلس النيابي إلى انفراط عقده مع تقديم نواب، بلغوا ستة نواب، حتى الان، إستقالاتهم منه أو تعليق عضويتهم فيه؟
في الواقع فإنّ استقالة الحكومة نتيجة ضغوط تفرض عليها أو استقالة بعض وزرائها منها، أمر عهده اللبنانيون أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، خصوصاً وقت الأزمات، غير أن حلّ مجلس النواب أو استقالة أكثر من نصف أعضائه، ممّا سيؤدي إلى فرطه، فإنّه أمرٌ لم يعهده لبنان منذ نشأته، حتى خلال الحرب الأهلية بقي المجلس النيابي قائماً، ومدّد لنفسه مرّات عدّة، ومن بقي من أعضائه حيّاً أقر إتفاق الطائف الذي أدخل لبنان في مرحلة جديدة.
غير أنّ كلّ ذلك لا يلغي الإنطباع السائد إستناداً إلى التطوّرات المتلاحقة في البلاد، من أن لبنان دخل في مرحلة غامضة ومتوترة، في ظل غياب أي بصيص أمل بالتسوية والتهدئة، في ظلّ صراعات هائلة تشهدها المنطقة دفع لبنان وما يزال بعض أثمانها، وكان أغلب الأحيان إحدى السّاحات الرئيسية لها.
مواضيع ذات صلة:
-
إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد