لا أحد يصدق أن الشعب اللبناني الذي تحرك في 17 تشرين الأول الفائت عن بكرة أبيه ونزل الى الشوارع والساحات وخلع عنه عباءاته السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية وطالب بإسقاط النظام والطبقة الحاكمة، وذلك رفضا لضريبة الستة دولارات على تطبيق الواتساب المجاني، هو نفسه الذي يلتزم الصمت والبيوت اليوم حيال دولار أميركي إرتفع سعره من 1500 ليرة الى عتبة التسعة آلاف ليرة، وأمام غلاء فاحش ضرب أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بأربعة وخمسة أضعاف، إضافة الى بطالة وفقر وتقنين كهربائي وفقدان مواد أساسية على صعيد الأدوية والمحروقات وغيرها.
يمكن القول إن لبنان بات يعيش تحت تأثير “الثورة المزاجية” التي فجأة تتأجج وتدفع المواطنين الى التحرك فيقطعون الطرقات ويشعلون الاطارات ويواجهون القوى الأمنية، وتخرج من بينهم فرقة الشغب لتتصدى لها فرقة مكافحة الشغب، ثم ينتهي الأمر ببعض الجرحى والموقوفين الذين يعاد إطلاق سراحهم فيُحملون على الأكتاف وكأنهم أبطال قوميين، ثم تخمد التحركات في اليوم التالي وكأن الأزمات قد حُلت، والمطالب قد تحققت، بانتظار إشارة أو قرار أو توجيه جديد، الأمر الذي يجعل “الثورة” إسما من دون مسمى، خصوصا أنه لا يمكن أن تكون موسمية ولا مزاجية، كما أنها ليست حفلة أو مهرجانا يبدأ عند ساعة محددة وتنتهي في ساعة محددة، وهي ليست “غب الطلب” أو “عندما تدعو الحاجة” لتوجيه رسائل سياسية أو أمنية معينة لهذه الجهة أو تلك.
هذا الواقع يطرح كما كبيرا من الأسئلة، لجهة: من فجّر ثورة 17 تشرين الأول؟، وإذا كانت ضريبة الستة دولارات هي الفتيل الذي أشعلها، فلماذا خمدت بينما سعر الدولار يحلق إرتفاعا ولا سقف له؟، وهل كانت تلك الثورة لإسقاط حكومة سعد الحريري فقط؟، أم كانت لأجل إخراجه من الحكم فلا يتحمل وزر الكوارث التي ستأتي فيما بعد والتي يعيش اللبنانيون تفاصيلها يوميا في ظل حكومة منفصلة عن الواقع تعيش في كوكب آخر؟..
ثم بعد ذلك، لماذا خرج اللبنانيون من الشوارع؟، ولماذا تُركت هذه الشوارع للموتورين والغوغائيين يعيثون فيها فسادا وتحطيما وإعتداء على الأملاك العامة والخاصة؟، وما هي الرسائل التي أراد البعض توجيهها من كل ذلك؟، ولماذا تم إختيار بيروت وطرابلس لتكونا مسرحا لكل هذا الشغب؟، ومن يتحكم بهؤلاء؟، هل يتبعون لجهات سياسية تقوم بالضغط على بعضها البعض من خلال الشارع الذي تحول الى صندوق بريد؟، أم يتحركون بتوجيهات أمنية تحقيقا لرغبات سياسية معينة؟، أم يرتبطون بسفارات أو بمخابرات إقليمية أو عربية تعمل على زعزعة الاستقرار؟، وهل لدى هؤلاء أغطية سياسية وأمنية فيرتكبون تحتها الموبقات ويعتدون ويحطمون ويحرقون من دون مساءلة أو رقيب أمني أو حسيب قضائي.
وكذلك، لماذا على مدار إسبوع كامل لم يشهد لبنان أي تحرك شعبي فعلي في ظل تنامي أزمات الدولار والكهرباء والمستشفيات والأدوية، باستثناء تجمعات لعدد من المواطنين يطرحون مطالب معيشية لا تسمن ولا تغني من حلول؟.
كل ذلك، يضع الثورة عموما في دائرة الاتهام، ويرسم علامات إستفهام حول الناشطين فيها، وحول مواقيت التحركات وأهدافها، خصوصا أن ما شهده لبنان خلال الفترة الماضية أساء وما يزال الى الشعب اللبناني الذي بدا للعالم كله أنه يتخذ من ثورته فرصة للترفيه والاحتفال، وأن ثورته فشلت ودُجنت ودخلت في التجاذبات السياسية، وها هي السلطة تمارس أبشع أنواع القهر والذل والظلم بحق الشعب اللبناني من دون أن يحرك ساكنا، إلا من بعض المدفوعين بأجندات معينة وبأوقات محددة وبرسائل خاصة.
اليوم، تعتبر ثورة 17 تشرين متهمة حتى تثبت براءتها، فإما أن تعيد إحياء نفسها وتنقي صفوفها من المندسين، وتملأ الشوارع والساحات وتعمل على تحقيق تطلعاتها وأهدافها باسقاط حكومة حسان دياب التي خدعت اللبنانيين وما تزال، وبإجراء انتخابات نيايبة مبكرة تعيد تكوين السلطة وبتشكيل حكومة إختصاصيين حقيقية وليست مقنعة سياسيا، وإلا فإن صفحة الثورات ستطوى في لبنان المنقسم طائفيا ومذهبيا وسياسيا الى غير رجعة.
مواضيع ذات صلة:
-
طرابلس رهينة الفوضى.. و″ليس في كل مرة تسلم الجرة″!… غسان ريفي
-
فيلم ″أكشن″.. من بطولة حسان دياب!… غسان ريفي
-
رئاسة الحكومة في مهب التنازلات.. وميقاتي يقرع جرس الانذار!… غسان ريفي