مسعى فرنسي لحلّ الأزمة اللبنانية يصطدم بـ″رفض″ و″صمت″!… عبد الكافي الصمد

يروي سياسيون عائدون من العاصمة الفرنسية باريس، وآخرون على تواصل شبه دائم بالسفارة الفرنسية في بيروت، عن محاولات حثيثة تبذلها السلطات الفرنسية، وعلى رأسها الرئيس إيمانويل ماكرون، من أجل المساهمة في إيجاد مخرج للأزمة اللبنانية، سواءٌ على الصعيد السياسي أو الإقتصادي.

أفكار عدّة ينقلها سياسيون لبنانيون في هذا السياق عن ″الأمّ الحنون″، كما تلقب فرنسا في وجدان أحزاب وتيّارات وشخصيات وقوى سياسية لبنانية مقربة منها، مسيحية تحديداً، لكنها تبقى مجرد أفكار لا تجد من يتبناها ويسير بها إلى الآخر، لأسباب عدّة أبرزها أنّ فرنسا برغم نفوذها التاريخي في لبنان، فإنها ليست اللاعب السياسي الرئيسي فيه، إذ تدرك باريس أن الإدارة الأميركية لا تسمح بأي نفوذ غربي في لبنان يتفوق عليها، وإن قبلت بهامش من النفوذ لهذه الدولة الغربية أو تلك، وعلى رأسها فرنسا، وأنّ التحوّلات السياسية الكبرى التي شهدها لبنان ومنطقة الشرق الأوسط والعالم، لم تجعل الفرنسيين أصحاب الكلمة الأولى في بلاد الأرز، كما كان الحال في زمن الإنتداب.

أبرز هذه الأفكار المنقولة عن الفرنسيين هي أن منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ليس مقبولاً سياسياً أن يكونا من فريق سياسي واحد، إذ يعتبرون أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسّان دياب محسوبان على فريق سياسي واحد في لبنان، هو فريق 8 آذار، وهو ما يُفسّر التأزّم السّياسي الداخلي والأزمة الإقتصادية الخانقة، نتيجة عدم قبول أكثر من طرف داخلي وخارجي عن هذا الإستئثار بالسلطة في لبنان من قبل فريق واحد، وتغييب فريق آخر عنها هو فريق 14 آذار، الذي ترى فرنسا أن رئاسة الحكومة ينبغي أن تؤول إليه لإرساء “توازن” سياسي لطالما اشتهر به لبنان تحت شعار “التوافق”.

وتبرّر فرنسا طرحها على أنّه المخرج لانفتاح الدول العربية وتحديداً دول الخليج على لبنان، ومساعدته في الخروج من أزماته، مشيرة إلى أن أموال مؤتمر “سيدر” التي تقارب 11 مليار دولار أميركي، أغلبها مقدّم من دول حليفة لفريق 14 آذار، وبما أنّ هذا الفريق أصبح خارج السلطة، فإن أموال مؤتمر “سيدر” المخصصة لمساعدة لبنان، جُمّدت حتى إشعار آخر.

لكن المفاجأة أنّ الفرنسيين لم يطرحوا عودة الرئيس سعد الحريري إلى الحكومة كممثل لفريق 14 آذار للخروج من الأزمة، برغم أنه من أكثر الشخصيات السّياسية السّنية المقربة منهم وهم الذين بذلوا جهوداً جبارة للإفراج عنه، بعد “اعتقاله” 14 يوماً في السعودية في تشرين الأول من عام 2018.

المخرج الفرنسي المقترح للأزمة اللبنانية، حسب زوّارهم اللبنانيين في باريس وسفارتهم في بيروت، تمثل في طرحهم أسماء شخصيات سياسية تدور في فلك 14 آذار أو مقربة منها أو على تنسيق معها، وعلى علاقة جيدة أو مقبولة بالحدّ الأدنى مع الدول العربية والأجنبية، وأن يجري تأليف حكومة جديدة يكون فريق 14 آذار ممثلاً فيها بشكل ينسجم مع حجمه السياسي والشعبي.

المعلومات المنقولة عن زوّار فرنسا وسفارتها من اللبنانيين تقول إن الشخصيات التي فوتحت بالأمر، مباشرة أو تلميحاً، قبلت العرض بلا تردّد وأبدت استعدادها لتشذيب أدائها ومواقفها بما يتناسب مع المرحلة المقبلة، لكن المبادرة الفرنسية لم تلق قبولاً من الولايات المتحدة ومن دول عربية مؤثّرة في لبنان، ولقيت صمتاً من قبل إيران وسوريا، ما جعل المسعى الفرنسي يتوقف بانتظار إعطائه فرصة ثانية، أو الإفساح في المجال أمام مسعى آخر، وإبقاء لبنان على رفّ الإنتظار، مع ما يحمله ذلك من مخاطر سياسية واقتصادية وأمنية، إلى حين التوصل لتسوية لا تبدو قريبة.   


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد

 


 

Post Author: SafirAlChamal