قبل أشهر قليلة، وفي عزّ استفحال أزمة إنهيار الليرة اللبنانية وتراجع سعر صرفها بشكل دراماتيكي أمام الدولار الأميركي، وبينما كان آلاف اللبنانيين يصطفون في طوابير الذلّ أمام المصارف للحصول على جزء ضئيل من جنى عمرهم ومن ودائعهم الصغيرة التي منعتهم المصارف من سحبها، قامت مرجعية دينية كبرى بسحب مبلغ 600 مليون دولار أميركي من حسابها في أحد المصارف ونقله إلى الخارج، تبين لاحقاً أنّ هذه المرجعية فعلت ذلك بنصيحة وبتسهيل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
بعد ذلك، وفي نهاية شهر نيسان الماضي، كشفت معلومات أن ما يقارب من 7 مليارات دولار جرى إخراجها من لبنان ونقلها إلى مصارف في أوروبا، وأنّ معظم هذه الأموال تعود ملكيتها لسياسيين وكبار رؤوس الأموال، وأنّ هذه المبالغ الضخمة “هُرّبت” من لبنان في وقت يعاني فيه البلد من أزمة نقص في السيولة، وخصوصاً من العملات الصعبة، ما يجعله يشهد إنهياراً لم يسبق له مثيل، لا بل إنّ بعض الصحف الغربية رأت أن الإنهيار المالي في لبنان وانهيار عملته الوطنية خلال أشهر قليلة، وبهذا الحجم، يعتبر أكبر انهيار اقتصادي ومالي تشهد منطقة الشرق الأوسط.
عمليات إخراج أموال كبار القوم في لبنان، من سياسيين ومرجعيات دينية وأغنياء، لم تتوقف منذ بدء أزمة انهيار الليرة اللبنانية، وآخرها ما تم تداوله يوم أمس عن إخراج مبالغ كبيرة من الدولارات إلى الخارج تعود لسياسيين، برغم أن المسؤولين في البلد كافة، كانوا يعوّلون على حدّ زعمهم علناً، على تدفق مساعدات مالية إلى لبنان لإيقاف الإنهيار، ودعم العملة الوطنية، في حين أنّهم كانوا “يُهرّبون” أموالهم إلى الخارج، بتسهيل يشبه المؤامرة من قبل المصارف، في خطوة كان لها إسهام كبير في مزيد من أزمة وانهيار النقد الوطني وتفاقم الأزمة المعيشية واشتدادها على رقاب المواطنين أكثر فأكثر.
هذه الأزمة التي كان إقدام مواطنين على الإنتحار بسبب الفقر والجوع مؤشراً على تفاقمها، من غير أن يرفّ جفن أحد من المسؤولين أو يخدش ذلك مشاعرهم، أو يجعلهم يعيدون النظر في ما يقومون به من سياسات مالية واقتصادية واجتماعية، أو معالجة الأزمة والتخفيف من تداعياتها على مواطنين جعلتهم ظروفهم الصعبة، واليأس الذي أحاط بهم من كل جانب، والإحباطات المتكررة، يقدمون على خطوة الإنتحار.
كلّ ذلك يحصل بينما الجوع يطرق أبواب أغلب اللبنانيين ويدخل إلى بيوتهم، وجعل خبريات الفقر والجوع والعوز تفطر القلوب، خصوصاً في مناطق طرابلس وعكّار والضنّية والمنية، التي تعتبر الأفقر في لبنان ويعيش أكثر من 70 % من سكانها تحت خط الفقر، ومن غير أن يدفع ذلك الدولة والحكومة والوزارات والجهات المعنية، والهيئات الدينية والخيرية والإنسانية وأغنياء البلاد وأثريائها الى مدّ يدهم إلى جيوبهم وخزائنهم لإطعام فقراء وجياع ومعوزين بالكاد باتوا يعثرون على ما يسدّ الرمق، أو اتخاذ إحتياطات وتدابير لتفادي خطر المجاعة القادمة التي باتت على كل شفة ولسان.
مواضيع ذات صلة:
-
إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد