إنتشر تسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي لسيدة لبنانية أجرت إتصالا هاتفيا بالقصر الجمهوري، لتسأل: ″بابا الكل بعدو نايم أو وعي؟″..
ثم لتقول: ″إذا بعدو نايم وعّوه.. قولولوا إنو كيلو السكر صار بـ 6 آلاف وربطة الخبز بـ 3 آلاف وما بقى قادرين نكفي الحياة!”..
ولتصرخ بعد ذلك بشكل هستيري: ″إذا بعدو نايم وعّوه شعبو مات الجوع!.. وعّوه نحنا متنا الجوع!.. وعّوه شعب لبنان العظيم مات الجوع!″..
بغض النظر عن صحة هذا التسجيل أو عدم صحته، إلا أن ما تضمنه صحيحا ويعبر بصدق عن واقع شعب كفر بـ”العهد القوي” وبالحكومة والسلطة مجتمعين، ولم يعد يجد طريقا سوى الانتحار ليضع حدا لهذه المأساة التي ترخي بظلالها القاتمة عليه.
لن يكون علي الهق الذي أطلق النار على نفسه في منطقة الحمراء أمس أول المنتحرين بسبب الفقر والجوع، وبفعل كُفر العهد بشعبه وبحقوقهم عليه، ولن يكون الأخير.. لكنه ترك رسالة حارقة خارقة للسلطة التي تلطخت أيديها بدمه، وهي عبارة عن “سجل عدلي” يؤكد أنه مواطن صالح يتمتع بكامل حقوقه المدنية و”لا حُكم عليه”.. وبثلاث كلمات “أنا مش كافر” بعدما إجتمعت فيه كل الأشياء الكافرين من فقر وجوع وذل وبطالة ويأس وغربة في وطن.. وعلم لبناني في إشارة منه الى أن هذا الرمز الوطني لم يعد يليق ببلد يغط عهده وحكومته في سبات عميق، ويقتل الناس فيه أنفسهم من الجوع والفقر وقلة الحيلة.
بالتزامن مع إنتحار علي، قرر سامر حبلي في بلدة جدرا أن يلف حبل المشنقة حول رقبته ويضع حدا لحياته بعدما عجز عن تأمين الطعام والدواء لعائلته، تاركا “الشقى على من بقى”، وليكون وصمة عار جديدة على جبين السلطة، لن تمحوها تبريرات رئيس جمهورية بحجة أن ليس لديه صلاحيات، ولا هرطقات رئيس حكومة يخترع عدوا وهميا ليحيك المؤامرات ضده.
حالتا إنتحار في يوم واحد في ظل “العهد القوي”، ورجل يغامر بحياته فيُشهر مسدسه في صيدلية للحصول على علبتيّ “سيرلاك” وكيس حفاضات لطفلية ثم يعتذر ويهرب، وأشخاص يغرقون في مستوعبات النفايات بحثا عما تبقى من فتات طعام، وشعبٌ لبناني يواجه البطالة والفقر والجوع والمرض والجهل وإرتفاع سعر الدولار، وقانون غاب يأكل فيه القوي الضعيف، ويقتل فيه المسلح الأعزل، ويحل المدعوم سياسيا بدل الكفوء المقطوع من شجرة، وتتنامى فيه السرقات والجرائم والاعتداءات على أنواعها.
بالأمس، كتب علي الهق وسامر حبلي تاريخا جديدا للبنان، ستتحدث عنه الأجيال المقبلة، بطله “عهد” تشير كل المعطيات والوقائع أنه “كافر” بكل ما يمكن أن يصب في مصلحة اللبنانيين، “عهد” إنهار فيه البلد، ووقف شعبه في طوابير الذل على أبواب المصارف والصرافين، وعلى أبواب الأفران والصيدليات ومحطات الوقود، “عهد” عاد فيه بلد النور والاشعاع الى عصر الشموع وقناديل الكاز، “عهد” إستعاد فيه اللبنانيون مفردات الحرب الأهلية وبعض خطوط التماس، “عهد” يُجرّم الثائر ويقبض على المقاوم ويبرئ العميل.. يغطي من يثير النعرات الطائفية ويحمي من ينفخ في أبواق الفتن.. يلاحق الناشطين على رأي أو بوست أو تصريح أو تسجيل، ويترك من ينال من مقام الجمهورية اللبنانية بتقسيم معامل الكهرباء بين سنة وشيعة ومسيحيين، وبالدعوة الى محاسبة كل من شارك في إتفاق الطائف وفي إعداد وثيقة الوفاق الوطني..
سيبقى صراخ تلك السيدة التي تجرأت وإتصلت بالقصر الجمهوري يزلزل أركان “العهد” عسى أن يصحو سيده ويتنبه الى أن لبنان تحول الى دولة فاشلة، وأن شعبه العظيم بات في الحضيض.
مواضيع ذات صلة:
-
طرابلس رهينة الفوضى.. و″ليس في كل مرة تسلم الجرة″!… غسان ريفي
-
فيلم ″أكشن″.. من بطولة حسان دياب!… غسان ريفي
-
رئاسة الحكومة في مهب التنازلات.. وميقاتي يقرع جرس الانذار!… غسان ريفي