ينسحب التناقض في مواقف وقرارات الحكومة على رئيسها وأعضائها على حدّ سواء، وقد جاء يوم أمس كي يكشف هذا التناقض على نحو واضح، ما يؤكّد التخبّط الذي تعانيه الحكومة على أكثر من صعيد، وعدم وجود أي خطة أو رؤية مستقبلية لعملها، سواء كانت آنية أم طويلة الأمد.
ففي مؤتمر صحافي عقده أمس وزير الإقتصاد والتجارة راوول نعمة مع وزير الطاقة والمياه ريمون غجر، نفى الأخير أن تكون الحكومة “في صدد رفع الدعم عن المازوت”، مشدّداً على “ألا مشكلة في استيراد مادة المازوت”، بعد الضجّة التي شهدتها البلاد بسبب إنقطاع المازوت من السوق المحلية، وازدهار تجارته في السوق السوداء، وقيام محتكرين بتخزينه، ومهربين بتهريبه إلى سورية.
نعمة حاول طمأنة اللبنانيين بقوله إنه “سنستقبل باخرتين نهاية الأسبوع وستكونان كافيتين للسوق، لكن الإشكالية تكمن في التخزين والإحتكار”، لافتاً إلى أن “احتكار مادة المازوت غير قانوني ويُعاقب عليه”، ومشيراً إلى “آلية ستعتمد في عملية تسليم المازوت إلى الموزعين من أجل ضبط التوزيع والتهريب”.
غير أن كلام نعمة لم ينزل برداً وسلاماً على اللبنانيين، لأن الوزير نفسه كان قد تقدم قبل أيام من الحكومة بورقة إقترح فيها إيقاف دعم الحكومة للطحين والمحروقات، من بنزين ومازوت وغاز، مقترحاً أن “تستند الأسعار في الأفران والمحطات إلى سعر السوق بالدولار الاميركي كما يحدّده البنك المركزي”، تحت حجّة “إيقاف الهدر، وتخفيف الأعباء عن الخزينة، وتأسيس نهج جديد تسعى إليه الحكومة، ولإقناع المؤسسات الدولية والدول المانحة بجدّية رغبتنا بالإصلاحات”.
ربما يدرك وزير الإقتصاد أو لا يدرك، أن اقتراحه برفع الدعم عن الطحين والمحروقات هو الذي تسبّب بأزمة كبيرة في السوق، وبازدحام كبير على محطات الوقود لم تعرفه إلا في أيام الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، ما دفع المواطنين إلى “الهجوم” على محطات الوقود بهدف تعبئة خزانات سيّاراتهم وما أمكنهم من صفائح وغالونات وبراميل، بعدما أشيع أن سعر صفيحة البنزين، بعد رفع الدعم عنها، سيصل إلى 65 ألف ليرة، وسعر صفيحة المازوت إلى 40 ألف ليرة، في حين يسود إرباك وغموض حول مصير ربطة الخبز وحجمها والسعر الذي قد تصل إليه، بعد رفع الحكومة الدعم عن أبرز وأهم المواد الغذائية الأساسية للمواطنين.
ما قاله نعمة يؤكّد أن الحكومة لا ترى أن تطبيق خطّة الإصلاح المالي والنقدي وإرساء دولة القانون إلا على حساب الفقراء والمعدمين الذين باتوا يعدّون قرابة ثلثي الشعب اللبناني على أقل تقدير، ما يؤكّد أن السلطات والحكومات المتعاقبة في لبنان لم تحد عن هذا الطريق، فهي لم تلتفت إلى استرجاع الأموال المنهوبة، ولا إيقاف الهدر ومحاربة الفساد، ولا استرجاع الأملاك البحرية والنهرية، ولا وضع حدّ للمحاصصة والمحسوبية والزبائنية، ولا إرساء دولة العدالة الإجتماعية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، ولا تشجيع القطاعات الإنتاجية أو تطوير البيئة الإستثمارية، فكل ذلك لم يكن أبداً من أولويات هذه الحكومة وغيرها، ما يترك إنطباعاً عاماً بأن الوضع الحالي مرشح إلى مزيد من الإنهيار، وأن إيقافه يحتاج إلى معجزة في زمن لم يعد للمعجزات أي وجود فيه.
مواضيع ذات صلة:
-
إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد