ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد الاول في كنيسة المقر البطريركي الصيفي في الديمان يعاونه المطرانان جوزيف نفاع وحنا علوان والاب فادي تابت والقيم البطريركي في الديمان الخوري طوني الاغا وامين سر البطريرك الاب شربل عبيد وبمشاركة المطارنة سمير مظلوم ومطانيوس الخوري وعدد من الكهنة وحضر القداس السفير السابق انطونيو عنداري وجمع من المؤمنين حرصوا على اتخاذ الاحتياطات اللازمة والتباعد المفروض بين المصلين.
وبعد تلاوة الانجيل المقدس القى البطريرك عظة بعنوان :” “وَصَلَّى يَسُوع: أَعْتَرِفُ لَكَ يَا أَبَتِ” (لو 21:10)
وفيها: لمَّا عاد التَّلاميذ الإثنان والسَّبعون فرحين لنجاح الرِّسالة التي أرسَلَهم لأجلها الرَّبُّ يسوع، صلَّى قائلاً: “اعترِفُ لكَ يا أبتِ، يا سيّدَ السَّماء والأرض، لأنَّكَ أخفيتَ هذه عن الحكماء والفهماء، وأظهرتها للأطفال” (لو 21:10). إنَّها صلاة الشُّكر رفَعَها إلى الآب متهلِّلًا بالرُّوح القدس، على نجاح الرِّسالة، وإيمان التَّلاميذ بقدرة المسيح الظَّاهرة على أيديهم.
هذه هي صلاة الكنيسة بمؤمنيها وجماعاتها، برعاتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها، وهي اشتراكٌ في صلاة يسوع، وتتمُّ بإسمه، والآب يستجيبها. هذا ما أكَّده الرَّبُّ يسوع بقوله: “كلُّ ما تسألون الآب باسمي يُعطيكموه” (يو 23:16).
2. يُسعِدُنا أن نحتفل معًا بهذه اللِّيتورجيَّا الإلهيَّة، مع إخواني السَّادة المطارنة والآباء أعضاء الأسرة البطريركيَّة في كرسيّ الدّيمان، والإخوة والأخوات الحاضرين، وكلِّ الذين يشاركون معنا روحيًّا عبر محطَّة تيلي لوميار – نورسات والفايسبوك. فنحيّيكم ونحيِّيهم جميعًا، ونرفع صلاتنا بصوتٍ واحدٍ إلى الله الآب بيسوع المسيح وشركة الرُّوح القدس، شاكرينه على كلِّ شيءٍ ومن أجل كلِّ شيء.
ونوجه الى كل الآباء في يوم “عيد الاب” التهاني ونرفع الصلاة من اجلهم ومن اجل عائلاتهم. كما نصلي لراحة نفوس الذين سبقونا الى بيت الآب.
صلَّى الرَّبُّ يسوع في كلِّ مفصلٍ من حياته على أرضنا. وبصلاته علَّمَنا كيف نُصلِّي، واستحثَّنا على الصَّلاة.
صلَّى بإسم كلِّ الخطأة عند قبوله معموديَّة يوحنَّا، فانفتحتِ السَّماء وجرى ينبوع الغفران على التَّائبين (راجع لو3: 21-22). وصلَّى في الصَّباح الباكر، استعدادًا للتَّبشير بإنجيل الملكوت وفقًا لإرادة الآب (مر 35:1). وصلَّى قبل اختيار رسله الاثني عشر لكي يأتي الاختيار وفقًا لقلب الله (متى 9: 35-38؛ 10: 1-5). وصلَّى قبل أن يقيم لعازر من الموت لكي يؤمن الجمع بأنَّه مرسَل من لدن الآب (راجع يو11: 41-45). وصلَّى من أجل وحدة المؤمنين به الذين اختارهم من العالم، “ليكونوا واحدًا كما هو والآب واحد” (راجع يو17: 20-23). وصلَّى إلى الآب ليُرسِل على الكنيسة النَّاشئة، “الرُّوح المعزِّي، روح الحقّ، الذي يعلِّم كلَّ شيءٍ ويذكِّر بكلِّ شيء” (راجع يو14: 15-17؛ 25-26). وصلَّى ملتمسًا الغفران لصالبيه (متى 46:27).
وعلَّمَنا كيف نُصلِّي بصلاة الأبانا (متى 6: 9-13)، التي بتلاوتها نعترف بأنَّنا أبناء وبنات لأبٍ واحدٍ في السَّماء، وبأنَّنا إخوة وأخوات. وبهذه الصِّفة نبني علاقاتنا الاجتماعيَّة، من دون أيِّ تمييز في لون او عرق او انتماء.
واستحثَّنا على الصَّلاة، قائلاً: “إسألوا تُعطَوا، أطلبُوا تجدوا، إقرعوا يُفتَح لكم. لأنَّ مَن يسأل ينَل، ومَن يَطلُب يجِد، ومَن يَقرع يُفتَح له” (لو11: 9-11). هذا الإلحاح على فاعليَّة الصَّلاة يشرحه القدِّيس أغسطينوس بقوله: “عندما نصلِّي، المسيح يُصلِّي معنا كرأس، ويصلِّي من أجلنا ككاهن، ويستجيب لنا كإله”.
وتابع :الصَّلاة فعل حُبٍّ يَصدُرُ مِن القلب لا مِن الشِّفاه. وهي سعيٌ إلى التماس إلهامات الرُّوح القدس، وحُسن قراءة علامات الزَّمن، وإلى اكتشاف إرادة الله في حياتنا والتزام العمل بموجبها. إنَّها ضروريَّةٌ لكلِّ واحدٍ وواحدةٍ منَّا في حياته الخاصَّة والعامَّة على السَّواء. إنَّها حاجةُ الأزواج والوالدين في العائلة، وحاجةُ المواطنين في المجتمع، وحاجة الأساقفة والكهنة والرُّهبان والرَّاهبات في الكنيسة، وحاجة المسؤولين السِّياسيِّين في الدَّولة.
لا يستطيع أحدٌ ان يُحسِن القيام بوظيفته والاضطلاع بمسؤوليَّاته من دون العودة اليوميَّة إلى الله بالصَّلاة. فهي حوارٌ وجدانيٌّ مع الله من القلب إلى القلب. بها يتنقَّى العقل من كلِّ انحرافٍ إلى الكذب والازدواجيَّة، ويستنير بنور الحقيقة المطلقة الآتية من الله. وبها يتنقَّى القلب من كلِّ حقدٍ وضغينةٍ وبغض، ويمتلئ محبَّةً ومسامحةً وغفرانًا؛ وبها تتنقَّى الذَّات من كلّ انانيَّة وكبرياء وانحراف، وتمتلئ نعمةً تُزيِّن داخل الإنسان بالحياة الإلهيَّة. فتنعكس هذه كلُّها في الأعمال والأقوال والمواقف والأداء.
من أجل هذه الغاية، التزمنا الصَّلاة العامَّة في الكرسيّ البطريركيّ في مساء كلِّ يوم منذ بداية الانتفاضة المدنيَّة المعروفة بثورة تشرين الأوَّل 2019. وهي صلاةٌ يشاركنا فيها عشرات الألوف من المؤمنين والمؤمنات في لبنان والخارج، عبر محطَّة تيلي لوميار – نورسات والفايسبوك.
واضاف :كم نرغب في أن يُصلِّي المسؤولون السِّياسيُّون عندنا كي يواجهوا معًا بروح الوحدة الوطنيَّة معاناة لبنان الاقتصاديَّة والماليَّة والمعيشيَّة التي بلغت درجةً من الخطورة تهدّد الهويَّة والكيان. بالصَّلاة يتعالون على الجراح السياسيَّة، ويوحِّدون قواهم لحماية الوطن وشعبه.
7. أن يدعو فخامة رئيس الجمهوريَّة إلى لقاءٍ وطنيّ، موجَّه إلى مراجع سياسيَّة مسؤولة، في الظَّرف الخطير الذي يمرُّ به لبنان، فواجبٌ وطنيّ يمليه عليه ضميره كرئيس للبلاد، وقَسَمُ اليمين على حفظ الدستور وحماية وحدة الشَّعب والصَّالح العامّ. والدَّعوة مشرِّفةٌ لمن توجَّه إليه. أمَّا أن تعقَد في الموعد المحدَّد – الخامس والعشرين من حزيران الجاري- أو أن تُرجأ لفترةٍ إعداديَّة ضروريَّة، فيبقى الأساس فيها الذَّهاب إلى جوهر المشكلة وطرح الحلّ الحقيقيّ بعيدًا عن الحياء والتَّسويات والمساومات، وإلى إصدار وثيقةٍ وطنيَّةٍ تكون بمستوى الأحداث الخطيرة الرَّاهنة.
وثيقةٌ ترسُمُ خريطة طريقٍ ثابتة تتضمَّن موقفًا موحَّدًا من القضايا التي أدَّت إلى الإنهيار السِّياسيّ والماليّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، وإلى الانكشاف الأمنيّ والعسكريّ.
وثيقةٌ تُصوِّب الخيارات والمسار، وتُرشِد الحوكمة، وتُطلِق الاصلاحات، وتُعيد لبنان إلى مكانه ومكانته، فيتصالح مع محيطه العربيّ ويستعيد ثقة العالم به.
8. مِن أجل ضمانة حصول المشاركة في هذا اللِّقاء الوطنيّ ونجاحه، ينبغي المجيء إليه بهدف تأكيد وحدة لبنان وحياده، وتحقيق اللَّامركزيَّة الموسَّعة، وصيانة مرجعيَّة الدَّولة الشَّرعيَّة بجميع مؤسَّساتها، وبخاصَّة تلك الأمنيَّة والعسكريَّة، والإقرار الفعليّ بسلطة الدَّولة دون سواها على جميع الأراضي اللُّبنانيَّة، والالتزام بجميع قرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة، وبمكافحة الفساد في كلّ مساحاته وأوكاره، وحماية استقلاليَّة القضاء وتحرُّره من أيّ تدخُّلٍ أو نفوذٍ سياسيٍّ أو حزبيّ.
وختم: أيُّها المسؤولون السِّياسيُّون، إنَّ شابَّات لبنان وشبَّانه المنتشرين في الشَّوارع والسَّاحات، يريدون من لقاء بعبدا جوابًا على حاجاتهم وقلقهم ومخاوفهم ومصير مستقبلهم ووطنهم. فلا تُخيِّبوا آمالهم. فَهُم يشكِّلون لكم ولكلِّ أصحاب الإرادات السِّياسيَّة والوطنيَّة الحسنة خير منطلق ودافع لما ستطالبون به في لقائكم التَّاريخيّ. وإن كان ثمَّة مِن بصيص أملٍ عند شعبنا الجائع والفقير والعاطل عن العمل، فلا تُطفئوه. ونحن من جهتنا نصلِّي من أجلكم كي ينير الله مساعيكم لخير وطننا وشبابنا وشعبنا. ومعًا نستحقّ أن نرفع صلاة الشُّكر والتَّسبيح للآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.