هل دخلت ثورة 17 تشرين الاول في المجهول؟.. سؤال بدأ يطرح نفسه بشدة بعد ان سرق الغوغائيون والمشاغبون الثورة ونجحوا في تحويلها من مسارها السلمي الحضاري، الى منحى عنفي تخريبي يستهدف الاملاك العامة والممتلكات الخاصة ويعتدي على القوى الامنية والعسكرية وينتقم من المواطنين الذين يواجهون البطالة والفقر، بدلا من تشكيل عامل ضغط على الحكم والحكومة لتحسين الاداء او لاسقاطهما واستبدالهما بسلطة تلبي طموحات وتطلعات المنتفضين..
في قراءة لواقع الثورة وتداعياتها، يبدو واضحا ان ما حصل اعتبارا من 17 تشرين الاول زلزل الارض تحت اقدام السلطة التي اربكت بداية ثم عاشت حالة انكار بالرغم من استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، وحاولت بكل ما أوتيت من قوة ودهاء اختراق هذه الثورة واستيعاب غضبها وتعطيل مفاعيلها، بهدف الحفاظ على كراسيها ومراكزها ومكاسبها.
حاولت السلطة الالتفاف على الثورة بتسمية حسان دياب رئيسا للحكومة كوجه جديد مستقل اكاديمي قادر على مواجهة التحديات التي تعصف بلبنان، وتحت هذا الشعار، شكل دياب حكومة “العشرين” بعنوان تكنوقراطي، وطلب بعد حصوله على ثقة قسم من مجلس النواب فترة مئة يوم سماح لانجاز ما يمكن انجازه.
لم تصمد كذبة السلطة طويلا، وسرعان ما اكتشف اللبنانيون ان شعار التكنوقراط كان مجرد واجهة لحكومة من الموظفين والمستشارين بعضهم ملتزم بتيارات سياسية وبعضهم الاخر يعمل لديها على القطعة، ما يعني استمرارا للنهج السائد ولمبدأ المحاصصة والمحسوبيات التي ظهرت تباعا في جلسات مجلس الوزراء التي اتسمت بالارتجال وقلة الخبرة وانعدام الرؤية وضيق الافق.
هذا الواقع ادى الى حالة احباط عارمة في صفوف ثوار 17 تشرين الذين انكفأ السواد الاعظم منهم التزاما بفترة السماح ومن ثم خوفا من كورونا الذي فرص نفسه على البلاد لاشهر عدة، اما ما تبقى فاستمروا في تحركات متقطعة اسبوعية وفي المناسبات ما افقد الثورة زخمها وحضورها خصوصا مع التجاوزات التي ارتكبها بعض الناشطين فيها وانعكست سلبا على المواطنين الذين رفضوا تحويل الثورة الى فوضى اول من يدفع ثمنها الفقراء ومتوسطي الحال.
وبما ان الطبيعة لا تقبل الفراغ، وطالما ان هذا الفراغ يملأه دائما الهواء الاسود، وبما ان السلطة المربكة استمرت في استهدافها للثورة عبر شيطنتها وتأليب الرأي العام اللبناني عليها، فإن انكفاء الناشطين والعائلات وهيئات المجتمع المدني والنقابات والروابط والتجمعات سمح لكل المتربصين شرا بالثورة بالنيل منها ومن اهدافها ومن شعاراتها، وتحويلها الى ثورة خارجة على القانون تعتدي على القوى العسكرية والامنية وتحطم كل ما تصادفه في طريقها وتقتحم المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي وتسيء الى المواطنين المتواجدين فيها وتعرض اصحابها لخسائر جسيمة، في ظل تراخ واضح من الاجهزة الامنية كافة التي كانت تقوم بمناوشة المشاغبين من دون ان تتخذ موقفا حازما وحاسما تجاههم.
مع التحركات الاخيرة التي ايقظت الفتنة الطائفية والفتنة المذهبية والاعتداءات التي هددت السلم الاهلي والامن الاجتماعي في العاصمتين بيروت وطرابلس رفع المعنيون الصوت وتم رفع الغطاء عن الجميع والطلب من الجيش والاجهزة الامنية التدخل بقوة لمكافحة هذه الظاهرة، حيث يقول مطلعون: إن التوقيفات التي قام بها الجيش والقوى الامنية والتدابير التي اتخذت في كل المناطق شكلت عامل ردع ولو آني للمشاغبين ومنعتهم من النزول الى الشوارع التي بدت فارغة من تحركاتهم خلال الساعات الماضية، ما يتطلب من ابناء ثورة تشرين تحرير الثورة بتسلم زمام المبادرة مجددا والعودة الى الساحات واحياء شعاراتهم والتأكيد على مطالبهم، لقطع الطريق على كل من يريد الاصطياد بالماء العكر، لان استمرار هذا الانكفاء من شأنه أن يعيد كرّة غزوات الشغب وعندها لن يبقى من الثورة الا اسمها او ذكراها وحتى اسمها وذكراها قد ينساهما المواطنون، لان الاولوية ستكون لمواجهة الغوغائيين وملاحقتهم، خصوصا في ظل الظروف المعيشية الضاغطة معطوفة على الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار.
مواضيع ذات صلة:
-
طرابلس رهينة الفوضى.. و″ليس في كل مرة تسلم الجرة″!… غسان ريفي
-
فيلم ″أكشن″.. من بطولة حسان دياب!… غسان ريفي
-
رئاسة الحكومة في مهب التنازلات.. وميقاتي يقرع جرس الانذار!… غسان ريفي